وَيَا لَلَّهِ الْعَجَبُ! إِذَا كَانُوا مَعْذُورِينَ فِي الْحَقِيقَةِ، فَكَيْفَ يُعَذِّبُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمَعْذُورَ. وَيُذِيقُهُ أَشَدَّ الْعَذَابِ؟ وَهَلَّا كَانَ الْغَنِيُّ الرَّحِيمُ أَوْلَى بِعُذْرِهِ مِنْ هَؤُلَاءِ؟
نَعَمْ. الْعَالِمُ النَّاصِحُ يَلُومُ بِأَمْرِ اللَّهِ. وَالْعَارِفُ الصَّادِقُ يَرْحَمُ بِقَدَرِ اللَّهِ. وَلَا يَتَنَافَى عِنْدَهُ اللَّوْمُ وَالرَّحْمَةُ. وَمِنْ رَحْمَتِهِ: عُقُوبَةُ مَنْ أَمَرَ اللَّهُ بِعُقُوبَتِهِ. فَذَلِكَ رَحْمَةٌ لَهُ وَلِلْأُمَّةِ. وَتَرْكُ عُقُوبَتِهِ زِيَادَةٌ فِي أَذَاهُ وَأَذَى غَيْرِهِ. وَأَنْتَ مَعَ الْعَالِمِ فِي تَعَبٍ يُعْقِبُ كُلَّ الرَّاحَةِ، وَمَعَ عَارِفِ هَؤُلَاءِ الْمَلَاحِدَةِ: فِي رَاحَةٍ وَهْمِيَّةٍ: تُعْقِبُ كُلَّ تَعَبٍ وَخَيْبَةٍ وَأَلَمٍ، كَمَا ذَكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ: أَنَّ الْمَسِيحَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَقُولُ: عَلَى قَدْرِ مَا تَتْعَبُونَ هَاهُنَا تَسْتَرِيحُونَ هُنَالِكَ. وَعَلَى قَدْرِ مَا تَسْتَرِيحُونَ هَاهُنَا تَتْعَبُونَ هُنَالِكَ.
فَالْعِلْمُ يُحَذِّرُكَ، وَيَمْنَعُكَ الْوُقُوفَ حَتَّى تَبْلُغَ الْمَأْمَنَ. وَعَارِفُ الْمَلَاحِدَةِ يُوهِمُكَ الرَّاحَةَ مِنْ كَدِّ الْمَسِيرِ وَمُؤْنَةِ السَّفَرِ، حَتَّى تُؤْخَذَ فِي الطَّرِيقِ.
[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ سُرُورُ سَمَاعِ الْإِجَابَةِ]
فَصْلٌ
قَالَ: الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ: سُرُورُ سَمَاعِ الْإِجَابَةِ. وَهُوَ سُرُورٌ يَمْحُو آثَارَ الْوَحْشَةِ. وَيَقْرَعُ بَابَ الْمُشَاهَدَةِ. وَيُضْحِكُ الرُّوحَ.
قَيَّدَ الشَّيْخُ السَّمَاعَ: بِكَوْنِهِ سَمَاعَ إِجَابَةٍ فَإِنَّهُ السَّمَاعُ الْمُنْتَفَعُ بِهِ، لَا مُجَرَّدَ سَمَاعِ الْإِدْرَاكِ. فَإِنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمُجِيبِ وَالْمُعْرِضِ. وَبِهِ تَقُومُ الْحُجَّةُ وَيَنْقَطِعُ الْعُذْرُ. وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ عَنْ أَصْحَابِهِ {سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} [البقرة: ٩٣] «وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْيَهُودِيِّ الَّذِي سَأَلَهُ عَنْ أُمُورِ الْغَيْبِ -: يَنْفَعُكَ إِنْ حَدَّثْتُكَ؟ قَالَ: أَسْمَعُ بِأُذُنِي.»
وَأَمَّا سَمَاعُ الْإِجَابَةِ: فَفِي مِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} [التوبة: ٤٧] أَيْ مُسْتَجِيبُونَ لَهُمْ. وَفِي قَوْلِهِ: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ} [المائدة: ٤١] أَيْ: مُسْتَجِيبُونَ لَهُ. وَهُوَ الْمُرَادُ. وَهَذَا الْمُرَادُ بِقَوْلِ الْمُصَلِّي: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ أَيْ أَجَابَ اللَّهُ حَمْدَ مَنْ حَمِدَهُ. وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute