أَكْمَلُ وَأَقْوَى مِنْ مَحَبَّةِ الْإِحْسَانِ وَالْآلَاءِ.
وَفِي قَوْلِهِ " تَنْبُتُ عَلَى حَافَّاتِ الْمِنَنِ " أَيْ جَوَانِبِهِ: إِشَارَةٌ إِلَى عَدَمِ تَمَكُّنِهَا وَقُوَّتِهَا، وَأَنَّهَا مِنْ نَبَاتِ الْحَافَّاتِ الَّتِي هِيَ جَوَانِبُ الْمِنَنِ. لَا مِنْ نَبَاتِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ.
وَقَوْلُهُ " فَعَلِقَ قَلْبُهُ بِصِفَاتِهِ الْمُقَدَّسَةِ " يَعْنِي الصِّفَاتِ الْمُخْتَصَّةَ بِالْمِنَنِ وَالْإِحْسَانِ. كَالْبَرِّ وَالْمَنَّانِ، وَالْمُحْسِنِ، وَالْجَوَادِ، وَالْمُعْطِي، وَالْغَفُورِ، وَنَحْوِهَا.
وَقَوْلُهُ " الْمُقَدَّسَةُ " يَعْنِي الْمُطَهَّرَةَ الْمُنَزَّهَةَ عَنْ تَأْوِيلِ الْمُحَرِّفِينَ وَتَشْبِيهِ الْمُمَثِّلِينَ وَتَعَطُّلِ الْمُعَطِّلِينَ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ مُرَادَهُ هَذِهِ الصِّفَاتُ الْخَاصَّةُ لِوَجْهَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّ تَعَلُّقَ الْقَلْبِ بِالصِّفَاتِ الْعَامَّةِ: إِنَّمَا يَكُونُ فِي الدَّرَجَةِ الثَّالِثَةِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ جَعَلَ ثَمَرَةَ هَذَا التَّعَلُّقِ شَوْقَ الْعَبْدِ إِلَى مُعَايَنَةِ لَطَائِفِ كَرَمِ الرَّبِّ وَمِنَنِهِ وَإِحْسَانِهِ وَآيَاتِ بِرِّهِ. وَهِيَ عَلَامَاتُ بِرِّهِ بِالْعَبْدِ وَإِحْسَانِهِ إِلَيْهِ، وَكَذَلِكَ (أَعْلَامُ فَضْلِهِ) وَهُوَ مَا يُفْضِلُ عَلَيْهِ بِهِ، وَيُفَضِّلُهُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ.
قَوْلُهُ " وَهَذَا شَوْقٌ تَغْشَاهُ الْمَبَارُّ " يَعْنِي: أَنَّهُ شَوْقٌ مَعْلُولٌ. لَيْسَ خَالِصًا لِذَاتِ الْمَحْبُوبِ. بَلْ لِمَا يَنَالُ مِنْهُ مِنَ الْمَبَارِّ " فَقَدْ غَشِيَتْهُ " أَيْ أَدْرَكَتْهُ الْمَبَارُّ.
قَوْلُهُ " وَتُخَالِجُهُ الْمَسَارُّ " أَيْ تَجَاذَبُهُ. فَإِنَّ الْمُخَالَجَةَ هِيَ الْمُجَاذَبَةُ. فَإِذَا خَالَطَ هَذَا الشَّوْقَ الْفَرَحُ: كَانَ مَمْزُوجًا بِنَوْعٍ مِنَ الْحَظِّ.
وَقَوْلُهُ " وَيُقَاوِمُهُ الِاصْطِبَارُ " أَيْ أَنَّ صَاحِبَهُ يَقْوَى عَلَى الصَّبْرِ، فَيُقَاوِمُ صَبْرُهُ شَوْقَهُ وَلَا يَغْلِبُهُ، بِخِلَافِ الشَّوْقِ فِي الدَّرَجَةِ الثَّالِثَةِ.
[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ الشَّوْقُ الْخَالِصُ]
فَصْلٌ
قَالَ: الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ: نَارٌ أَضْرَمَهَا صَفْوُ الْمَحَبَّةِ، فَنَغَّصَتِ الْعَيْشَ. وَسَلَبَتِ السَّلْوَةُ. وَلَمْ يُنَهْنِهْهَا مَعْزًى دُونَ اللِّقَاءِ.
يُرِيدُ: أَنَّ الشَّوْقَ فِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ: شَبِيهٌ بِالنَّارِ الَّتِي أَضْرَمَهَا صَفْوُ الْمَحَبَّةِ. وَهُوَ خَالِصُهَا. وَشَبَّهَهُ بِالنَّارِ لِالْتِهَابِهِ فِي الْأَحْشَاءِ.
وَفِي قَوْلِهِ " صَفْوُ الْمَحَبَّةِ " إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهَا مَحَبَّةٌ لَمْ تَكُنْ لِأَجْلِ الْمِنَّةِ وَالنِّعَمِ. وَلَكِنْ مَحَبَّةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالذَّاتِ وَالصِّفَاتِ.