قَالَ الْحَسَنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ - وَاللَّهِ - لَا تَرَاهُ إِلَّا قَائِمًا عَلَى نَفْسِهِ: مَا أَرَدْتُ بِكَلِمَةِ كَذَا؟ مَا أَرَدْتُ بِأَكْلَةٍ؟ مَا أَرَدْتُ بِمَدْخَلِ كَذَا وَمَخْرَجِ كَذَا؟ مَا أَرَدْتُ بِهَذَا؟ مَا لِي وَلِهَذَا؟ وَاللَّهِ لَا أَعُودُ إِلَى هَذَا. وَنَحْوُ هَذَا مِنَ الْكَلَامِ.
فَبِمُحَاسَبَتِهَا يَطَّلِعُ عَلَى عُيُوبِهَا وَنَقَائِصِهَا. فَيُمْكِنُهُ السَّعْيُ فِي إِصْلَاحِهَا.
الثَّانِي: مُلَاطَفَةُ الْخَلْقِ. وَهِيَ مُعَامَلَتُهُمْ بِمَا يُحِبُّ أَنْ يُعَامِلُوهُ بِهِ مِنَ اللُّطْفِ. وَلَا يُعَامِلُهُمْ بِالْعُنْفِ وَالشِّدَّةِ وَالْغِلْظَةِ. فَإِنَّ ذَلِكَ يُنَفِّرُهُمْ عَنْهُ. وَيُغْرِيهِمْ بِهِ. وَيُفْسِدُ عَلَيْهِ قَلْبَهُ وَحَالَهُ مَعَ اللَّهِ وَوَقْتَهُ، فَلَيْسَ لِلْقَلْبِ أَنْفَعُ مِنْ مُعَامَلَةِ النَّاسِ بِاللُّطْفِ. فَإِنَّ مُعَامَلَةَ النَّاسِ بِذَلِكَ: إِمَّا أَجْنَبِيٌّ. فَتَكْسِبُ مَوَدَّتَهُ وَمَحَبَّتَهُ، وَإِمَّا صَاحِبٌ وَحَبِيبٌ فَتَسْتَدِيمُ صُحْبَتَهُ وَمَوَدَّتَهُ. وَإِمَّا عَدُوٌّ وَمُبْغِضٌ. فَتُطْفِئُ بِلُطْفِكَ جَمْرَتَهُ. وَتَسْتَكْفِي شَرَّهُ. وَيَكُونُ احْتِمَالُكَ لِمَضَضِ لُطْفِكَ بِهِ دُونَ احْتِمَالِكَ لِضَرَرِ مَا يَنَالُكَ مِنَ الْغِلْظَةِ عَلَيْهِ وَالْعُنْفِ بِهِ.
الثَّالِثُ: مُرَاقَبَةُ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ. وَهِيَ الْمُوجِبَةُ لِكُلِّ صَلَاحٍ وَخَيْرٍ عَاجِلٍ وَآجِلٍ. وَلَا تَصِحُّ الدَّرَجَتَانِ الْأُولَتَانِ إِلَّا بِهَذِهِ. وَهِيَ الْمَقْصُودُ لِذَاتِهِ. وَمَا قَبْلَهُ وَسِيلَةٌ إِلَيْهِ، وَعَوْنٌ عَلَيْهِ. فَمُرَاقَبَةُ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: تُوجِبُ إِصْلَاحَ النَّفْسِ، وَاللُّطْفَ بِالْخَلْقِ.
[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ السَّكِينَةُ الَّتِي تُثْبِتُ الرِّضَا بِالْقَسْمِ]
فَصْلٌ
قَالَ: الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ: السَّكِينَةُ الَّتِي تُثْبِتُ الرِّضَا بِالْقَسْمِ. وَتَمْنَعُ مِنَ الشَّطْحِ الْفَاحِشِ. وَتَقِفُ صَاحِبَهَا عَلَى حَدِّ الرُّتْبَةِ، وَالسَّكِينَةُ لَا تَنْزِلُ إِلَّا فِي قَلْبِ نَبِيٍّ، أَوْ وَلِيٍّ.
هَذِهِ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ: كَأَنَّهَا عِنْدَ الشَّيْخِ لِأَهْلِ الصَّحْوِ بَعْدَ السُّكْرِ. وَلِمَنْ شَامَ بَوَارِقَ الْحَقِيقَةِ.
فَقَوْلُهُ: تُثْبِتُ الرِّضَا بِالْقَسْمِ
أَيْ تُوجِبُ لِصَاحِبِهَا أَنْ يَرْضَى بِالْمَقْسُومِ. وَلَا تَتَطَلَّعَ نَفْسُهُ إِلَى غَيْرِهِ.
وَتَمْنَعُ مِنَ الشَّطْحِ الْفَاحِشِ
يَعْنِي مِثْلَ مَا نُقِلَ عَنْ أَبِي يَزِيدَ وَنَحْوِهِ، بِخِلَافِ الْجُنَيْدِ وَسَهْلٍ وَأَمْثَالِهِمَا. فَإِنَّهُمْ لَمَّا كَانَتْ لَهُمْ هَذِهِ السَّكِينَةُ لَمْ تَصْدُرْ مِنْهُمُ الشَّطَحَاتُ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ الشَّطْحَ سَبَبُهُ عَدَمُ السَّكِينَةِ. فَإِنَّهَا إِذَا اسْتَقَرَّتْ فِي الْقَلْبِ مَنَعَتْهُ مِنَ الشَّطْحِ وَأَسْبَابِهِ.