قَوْلُهُ " فَنَغَّصَتِ الْعَيْشَ " أَيْ مَنَعَتْ صَاحِبَهَا السُّكُونَ إِلَى لَذِيذِ الْعَيْشِ. وَ " التَّنْغِيصُ " قَرِيبٌ مِنَ التَّكْدِيرِ.
قَوْلُهُ " وَسَلَبَتِ السَّلْوَةَ " أَيْ نَهَبَتِ السُّلُوَّ وَأَخَذَتْهُ قَهْرًا.
وَ " السَّلْوَةُ " هِيَ الْخَلَاصُ مِنْ كَرْبِ الْمَحَبَّةِ وَإِلْقَاءُ حِمْلِهَا عَنِ الظَّهْرِ. وَالْإِعْرَاضُ عَنِ الْمَحْبُوبِ تَنَاسِيًا.
وَقَوْلُهُ " لَمْ يُنَهْنِهْهَا مَعْزًى دُونَ اللِّقَاءِ " أَيْ لَمْ يَكْفِهَا وَيَرُدَّهَا قَرَارٌ دُونَ لِقَاءِ الْمَحْبُوبِ. وَهَذِهِ لَا يُقَاوِمُهَا الِاصْطِبَارُ. لِأَنَّهُ لَا يَكُفُّهَا دُونَ لِقَاءِ مَنْ يُحِبُّ قَرَارٌ.
[فَصْلٌ الْقَلَقُ]
[حَقِيقَةُ الْقَلَقِ]
فَصْلٌ الْقَلَقُ
وَقَدْ يَقْوَى هَذَا الشَّوْقُ، وَيَتَجَرَّدُ عَنِ الصَّبْرِ. فَيُسَمَّى قَلَقًا وَبِذَلِكَ سَمَّاهُ صَاحِبُ الْمَنَازِلِ، وَاسْتَشْهَدَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى - حَاكِيًا عَنْ كَلِيمِهِ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه: ٨٤] فَكَأَنَّهُ فَهِمَ: أَنَّ عَجَلَتَهُ إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَيْهَا الْقَلَقُ. وَهُوَ تَجْرِيدُ الشَّوْقِ لِلِقَائِهِ وَمِيعَادِهِ.
وَظَاهِرُ الْآيَةِ: أَنَّ الْحَامِلَ لِمُوسَى عَلَى الْعَجَلَةِ: هُوَ طَلَبُ رِضَا رَبِّهِ، وَأَنَّ رِضَاهُ فِي الْمُبَادَرَةِ إِلَى أَوَامِرِهِ، وَالْعَجَلَةِ إِلَيْهَا. وَلِهَذَا احْتَجَّ السَّلَفُ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَفْضَلُ. سَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَةَ يَذْكُرُ ذَلِكَ. قَالَ: إِنَّ رِضَا الرَّبِّ فِي الْعَجَلَةِ إِلَى أَوَامِرِهِ. ثُمَّ حَدَّهُ صَاحِبُ الْمَنَازِلِ بِأَنَّهُ تَجْرِيدُ الشَّوْقِ بِإِسْقَاطِ الصَّبْرِ أَيْ تَخَلُّصِهِ مِنْ كُلِّ شَائِبَةٍ بِحَيْثُ يَسْقُطُ مَعَهُ الصَّبْرُ، فَإِنْ قَارَنَهُ اصْطِبَارٌ فَهُوَ شَوْقٌ.
[دَرَجَاتُ الْقَلَقِ]
[الدَّرَجَةُ الْأُولَى قَلَقٌ يُضَيِّقُ الْخُلُقَ وَيُبَغِّضُ الْخَلْقَ وَيُلَذِّذُ الْمَوْتَ]
ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ، الدَّرَجَةُ الْأُولَى: قَلَقٌ يُضَيِّقُ الْخُلُقَ، وَيُبَغِّضُ الْخَلْقَ. وَيُلَذِّذُ الْمَوْتَ.
يَعْنِي: يَضِيقُ خُلُقُ صَاحِبِهِ عَنِ احْتِمَالِ الْأَغْيَارِ. فَلَا يُبْقِي فِيهِ اتِّسَاعًا لِحَمْلِهِمْ، فَضْلًا عَنْ تَقْيِيدِهِمْ لَهُ، وَتَعُوقَهُ بِأَنْفَاسِهِمْ.
وَ " يُبْغِضُ الْخَلْقَ " يَعْنِي: لَا شَيْءَ أَبْغَضَ إِلَى صَاحِبِهِ مِنِ اجْتِمَاعِهِ بِالْخَلْقِ. لِمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute