قَصْدِ الطَّرِيقِ، مَعَ مُلَاحَظَةِ الْعَبْدِ خِسَّةَ قَدْرِهِ، وَسَفَالَةَ مَنْزِلَتِهِ. وَتَفَاهَةَ قِيمَتِهِ
يُرِيدُ: أَنَّ الْقَاصِدَ لِلسُّلُوكِ إِذَا نَظَرَ إِلَى مَوَاقِعِ لُطْفِ رَبِّهِ بِهِ - حَيْثُ أَهَّلَهُ لِمَا لَمْ يُؤَهِّلْ لَهُ أَهْلَ الْبَلَاءِ، وَهُمْ أَهْلُ الْغَفْلَةِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْهُ - أَوْرَثَهُ ذَلِكَ النَّظَرُ تَعَجُّبًا يُوقِعُهُ فِي نَوْعٍ مِنَ الْهَيَمَانِ.
قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ فِي الْأَثَرِ الْمَرْوِيِّ " «إِذَا رَأَيْتُمْ أَهْلَ الْبَلَاءِ فَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ» " تَدْرُونَ مَنْ هُمْ أَهْلُ الْبَلَاءِ؟ هُمْ أَهْلُ الْغَفْلَةِ عَنِ اللَّهِ.
وَتَقْوَى هَذِهِ الْحَالُ إِذَا انْضَافَ إِلَيْهَا شُهُودُ الْعَبْدِ خِسَّةَ قَدْرِ نَفْسِهِ. فَاسْتَصْغَرَهَا أَنْ تَكُونَ أَهْلًا لِمَا أُهِّلَتْ لَهُ. وَكَذَلِكَ شُهُودُ سَفَالَةِ مَنْزِلَتِهِ أَيِ انْحِطَاطِ رُتْبَتِهِ، وَكَذَلِكَ شُهُودُ تَفَاهَةِ قِيمَتِهِ أَيْ خِسَّتِهَا وَقِلَّتِهَا.
وَحَاصِلُ ذَلِكَ كُلِّهِ: احْتِقَارُهُ لِنَفْسِهِ، وَاسْتِعْظَامُهُ لِلُطْفِ رَبِّهِ بِهِ، وَتَأْهِيلِهِ لَهُ. فَيَتَوَلَّدُ مِنْ بَيْنِ هَذَيْنِ: الْهَيَمَانُ الْمَذْكُورُ. وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ يَتَوَلَّدُ مِنْ بَيْنِ هَذَيْنِ الشُّهُودَيْنِ: أُمُورٌ أُخْرَى، أَجَلُّ وَأَعْظَمُ، وَأَشْرَفُ مِنَ الْهَيَمَانِ - مِنْ مَحَبَّةٍ وَحَمْدٍ وَشُكْرٍ، وَعَزْمٍ وَإِخْلَاصٍ، وَنَصِيحَةٍ فِي الْعُبُودِيَّةِ، وَسُرُورٍ وَفَرَحٍ بِرَبِّهِ، وَأُنْسٍ بِهِ - هِيَ مَطْلُوبَةٌ لِذَاتِهَا. بِخِلَافِ عَارِضِ الْهَيَمَانِ. فَإِنَّهُ لَا يُطْلَبُ لِذَاتِهِ. وَلَيْسَ هُوَ مِنْ مَنَازِلِ الْعُبُودِيَّةِ.
[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ هَيَمَانٌ فِي تَلَاطُمِ أَمْوَاجِ التَّحْقِيقِ عِنْدَ ظُهُورِ بَرَاهِينِهِ]
فَصْلٌ
قَالَ: الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ: هَيَمَانٌ فِي تَلَاطُمِ أَمْوَاجِ التَّحْقِيقِ، عِنْدَ ظُهُورِ بَرَاهِينِهِ، وَتَوَاصُلِ عَجَائِبِهِ، وَلَوَامِعِ أَنْوَارِهِ.
يُرِيدُ: أَنَّ السَّالِكَ وَالْمُرِيدَ إِذَا لَاحَتْ لَهُ أَنْوَارُ تَحَقُّقِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ: اهْتَدَى بِهَا إِلَى الْقَصْدِ، عَنْ بَصِيرَةٍ مُسْتَجَدَّةٍ، وَيَقَظَةٍ مُسْتَعِدَّةٍ. فَاسْتَنَارَ بِهَا قَلْبُهُ، وَأَشْرَقَ لَهَا سِرُّهُ. فَتَلَاطَمَتْ عَلَيْهِ أَمْوَاجُ التَّحْقِيقِ عِنْدَ ظُهُورِ الْبَرَاهِينِ. فَهَامَ قَلْبُهُ فِيهَا. وَهَذَا أَمْرٌ يَعْرِفُهُ بِالذَّوْقِ كُلُّ طَالِبٍ لِأَمْرٍ عَظِيمٍ انْفَتَحَتْ لَهُ الطُّرُقُ وَالْأَبْوَابُ إِلَى تَحْصِيلِهِ.
وَيُرِيدُ بِتَوَاصُلِ عَجَائِبِهِ: تَتَابُعُ عَجَائِبِ التَّحْقِيقِ، وَأَنَّ بَعْضَهَا لَا يُحْجَبُ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute