للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ هِمَّةٌ تَتَصَاعَدُ عَنِ الْأَحْوَالِ وَالْمُعَامَلَاتِ]

فَصْلٌ

قَالَ: الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ: هِمَّةٌ تَتَصَاعَدُ عَنِ الْأَحْوَالِ وَالْمُعَامَلَاتِ. وَتُزْرِي بِالْأَعْوَاضِ وَالدَّرَجَاتِ. وَتَنْحُو عَنِ النُّعُوتِ نَحْوَ الذَّاتِ.

أَيْ هَذِهِ الْهِمَّةُ أَعْلَى مِنْ أَنْ يَتَعَلَّقَ صَاحِبُهَا بِالْأَحْوَالِ الَّتِي هِيَ آثَارُ الْأَعْمَالِ وَالْوَارِدَاتِ، أَوْ يَتَعَلَّقُ بِالْمُعَامَلَاتِ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ تَعْطِيلَهَا. بَلِ الْقِيَامَ بِهَا مَعَ عَدَمِ الِالْتِفَاتِ إِلَيْهَا، وَالتَّعَلُّقِ بِهَا.

وَوَجْهُ صُعُودِ هَذِهِ الْمُهِمَّةِ عَنْ هَذَا: مَا ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِهِ: تُزْرِي بِالْأَعْوَاضِ وَالدَّرَجَاتِ، وَتَنْحُو عَنِ النُّعُوتِ نَحْوَ الذَّاتِ، أَيْ صَاحِبُهَا لَا يَقِفُ عِنْدَ عِوَضٍ وَلَا دَرَجَةٍ. فَإِنَّ ذَلِكَ نُزُولٌ مِنْ هِمَّتِهِ. وَمَطْلَبُهُ أَعْلَى مِنْ ذَلِكَ. فَإِنَّ صَاحِبَ هَذِهِ الْهِمَّةِ قَدْ قَصَرَ هِمَّتَهُ عَلَى الْمَطْلَبِ الْأَعْلَى، الَّذِي لَا شَيْءَ أَعْلَى مِنْهُ. وَالْأَعْوَاضُ وَالدَّرَجَاتُ دُونَهُ. وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا حَصَلَ لَهُ فَهُنَاكَ كُلُّ عِوَضٍ وَدَرَجَةٍ عَالِيَةٍ.

وَأَمَّا نَحْوُهَا نَحْوَ الذَّاتِ فَيُرِيدُ بِهِ: أَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَقْتَصِرُ عَلَى شُهُودِ الْأَفْعَالِ وَالْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ. بَلِ الذَّاتُ الْجَامِعَةُ لِمُتَفَرِّقَاتِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ. كَمَا تَقَدَّمَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْمَحَبَّةِ]

[حَقِيقَةُ الْمَحَبَّةِ]

فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْمَحَبَّةِ

وَمِنْ مَنَازِلِ " {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: ٥] " مَنْزِلَةُ الْمَحَبَّةِ

وَهِيَ الْمَنْزِلَةُ الَّتِي فِيهَا تَنَافَسَ الْمُتَنَافِسُونَ. وَإِلَيْهَا شَخَصَ الْعَامِلُونَ. وَإِلَى عِلْمِهَا شَمَّرَ السَّابِقُونَ. وَعَلَيْهَا تَفَانَى الْمُحِبُّونَ. وَبِرُوحِ نَسِيمِهَا تَرَوَّحَ الْعَابِدُونَ. فَهِيَ قُوتُ الْقُلُوبِ، وَغِذَاءُ الْأَرْوَاحِ، وَقُرَّةُ الْعُيُونِ. وَهِيَ الْحَيَاةُ الَّتِي مَنْ حُرِمَهَا فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَمْوَاتِ. وَالنُّورُ الَّذِي مَنْ فَقَدَهُ فَهُوَ فِي بِحَارِ الظُّلُمَاتِ. وَالشِّفَاءُ الَّذِي مَنْ عَدِمَهُ حَلَّتْ بِقَلْبِهِ جَمِيعُ الْأَسْقَامِ. وَاللَّذَّةُ الَّتِي مَنْ لَمْ يَظْفَرْ بِهَا فَعَيْشُهُ كُلُّهُ هُمُومٌ وَآلَامٌ.

وَهِيَ رُوحُ

<<  <  ج: ص:  >  >>