للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِيمَانِ وَالْأَعْمَالِ، وَالْمَقَامَاتِ وَالْأَحْوَالِ الَّتِي مَتَى خَلَتْ مِنْهَا فَهِيَ كَالْجَسَدِ الَّذِي لَا رُوحَ فِيهِ. تَحْمِلُ أَثْقَالَ السَّائِرِينَ إِلَى بِلَادٍ لَمْ يَكُونُوا إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ بَالِغِيهَا. وَتُوصِلُهُمْ إِلَى مَنَازِلَ لَمْ يَكُونُوا بِدُونِهَا أَبَدًا وَاصِلِيهَا. وَتُبَوِّؤُهُمْ مِنْ مَقَاعِدِ الصِّدْقِ مَقَامَاتٍ لَمْ يَكُونُوا لَوْلَاهَا دَاخِلِيهَا. وَهِيَ مَطَايَا الْقَوْمِ الَّتِي مَسْرَاهُمْ عَلَى ظُهُورِهَا دَائِمًا إِلَى الْحَبِيبِ. وَطَرِيقُهُمُ الْأَقْوَمُ الَّذِي يُبَلِّغُهُمْ إِلَى مَنَازِلِهِمُ الْأُولَى مِنْ قَرِيبٍ.

تَاللَّهِ لَقَدْ ذَهَبَ أَهْلُهَا بِشَرَفِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. إِذْ لَهُمْ مِنْ مَعِيَّةِ مَحْبُوبِهِمْ أَوْفَرُ نَصِيبٍ. وَقَدْ قَضَى اللَّهُ - يَوْمَ قَدَّرَ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ بِمَشِيئَتِهِ وَحِكْمَتِهِ الْبَالِغَةِ -: أَنَّ الْمَرْءَ مَعَ مَنْ أَحَبَّ. فَيَا لَهَا مِنْ نِعْمَةٍ عَلَى الْمُحِبِّينَ سَابِغَةٍ.

تَاللَّهِ لَقَدْ سَبَقَ الْقَوْمُ السُّعَاةَ، وَهُمْ عَلَى ظُهُورِ الْفُرُشِ نَائِمُونَ. وَقَدْ تَقَدَّمُوا الرَّكْبَ بِمَرَاحِلَ، وَهُمْ فِي سَيْرِهِمْ وَاقِفُونَ.

مِنْ لِي بِمِثْلِ سَيْرِكَ الْمُدَلَّلِ ... تَمْشِي رُوَيْدًا وَتَجِي فِي الْأَوَّلِ

أَجَابُوا مُنَادِيَ الشَّوْقِ إِذْ نَادَى بِهِمْ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ. وَبَذَلُوا نُفُوسَهُمْ فِي طَلَبِ الْوُصُولِ إِلَى مَحْبُوبِهِمْ، وَكَانَ بَذْلُهُمْ بِالرِّضَا وَالسَّمَاحِ. وَوَاصَلُوا إِلَيْهِ الْمَسِيرَ بِالْإِدْلَاجِ وَالْغُدُوِّ وَالرَّوَاحِ. تَاللَّهِ لَقَدْ حَمِدُوا عِنْدَ الْوُصُولِ سُرَاهُمْ. وَشَكَرُوا مَوْلَاهُمْ عَلَى مَا أَعْطَاهُمْ. وَإِنَّمَا يَحْمَدُ الْقَوْمَ السُّرَى عِنْدَ الصَّبَاحِ.

فَحَيَّهَلًا إِنْ كُنْتَ ذَا هِمَّةٍ فَقَدْ ... حَدَا بِكَ حَادِي الشَّوْقِ فَاطْوِ الْمَرَاحِلَا

وَقُلْ لِمُنَادِي حُبِّهِمْ وَرِضَاهُمْ ... إِذَا مَا دَعَا لَبَّيْكَ أَلْفًا كَوَامِلَا

وَلَا تَنْظُرِ الْأَطْلَالَ مِنْ دُونِهِمْ فَإِنْ ... نَظَرْتَ إِلَى الْأَطْلَالِ عُدْنَ حَوَائِلَا

وَلَا تَنْتَظِرْ بِالسَّيْرِ رُفْقَةَ قَاعِدٍ ... وَدَعْهُ فَإِنَّ الشَّوْقَ يَكْفِيكَ حَامِلَا

وَخُذْ مِنْهُمْ زَادًا إِلَيْهِمْ وَسِرْ عَلَى ... طَرِيقِ الْهُدَى وَالْفَقْرِ تُصْبِحُ وَاصِلَا

وَأَحْيِ بِذِكْرَاهُمْ سُرَاكَ إِذَا وَنَتْ ... رِكَابُكَ فَالذِّكْرَى تُعِيدُكَ عَامِلَا

وَإِمَّا تَخَافَنَّ الْكَلَالَ فَقُلْ لَهَا ... أَمَامُكِ وِرْدُ الْوَصْلِ فَابْغِ الْمَنَاهِلَا

وَخُذْ قَبَسًا مِنْ نُورِهِمْ ثُمَّ سِرْ بِهِ ... فَنُورُهُمْ يَهْدِيكَ لَيْسَ الْمَشَاعِلَا

وَحَيِّ عَلَى وَادِ الْأَرَاكَ فَقِلْ بِهِ ... عَسَاكَ تَرَاهُمْ فِيهِ إِنْ كُنْتَ قَائِلَا

وَإِلَّا فَفِي نُعْمَانَ عِنْدَ مُعَرِّفِ الْ ... أَحِبَّةِ فَاطْلُبْهُمْ إِذَا كُنْتَ سَائِلَا

وَإِلَّا فَفِي جَمْعٍ بِلَيْلَتِهِ فَإِنْ ... تَفُتْ، فَمَتَى؟ يَا وَيْحَ مَنْ كَانَ غَافِلَا

وَحَيَّ عَلَى جَنَّاتِ عَدْنٍ بِقُرْبِهِمْ ... مَنَازِلُكَ الْأُولَى بِهَا كُنْتَ نَازِلًا

وَلَكِنْ سَبَاكَ الْكَاشِحُونَ لِأَجْلِ ذَا ... وَقَفْتَ عَلَى الْأَطْلَالِ تَبْكِي الْمَنَازِلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>