للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَا مَا يُدْرَكُ بِالْبَاطِنِ. وَهِيَ الْوِجْدَانِيَّاتُ.

وَكَذَا مَا يُدْرَكُ بِخَبَرِ الْمُخْبِرِ الصَّادِقِ، وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا.

وَكَذَا مَا يَحْصُلُ بِالْفِكْرِ وَالِاسْتِنْبَاطِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَنْ تَجْرِبَةٍ.

فَالْعِلْمُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فَقَطْ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَعْرِفَةِ مِنْ وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ.

أَحَدُهَا: أَنَّ الْمَعْرِفَةَ لُبُّ الْعِلْمِ، وَنِسْبَةُ الْعِلْمِ إِلَيْهَا كَنِسْبَةِ الْإِيمَانِ إِلَى الْإِحْسَانِ. وَهِيَ عِلْمٌ خَاصٌّ، مُتَعَلِّقُهَا أَخْفَى مِنْ مُتَعَلِّقِ الْعِلْمِ وَأَدَقُّ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَعْرِفَةَ هِيَ الْعِلْمُ الَّذِي يُرَاعِيهِ صَاحِبُهُ بِمُوجِبِهِ وَمُقْتَضَاهُ. فَهِيَ عِلْمٌ تَتَّصِلُ بِهِ الرِّعَايَةُ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْمَعْرِفَةَ شَاهِدٌ لِنَفْسِهَا، وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْأُمُورِ الْوِجْدَانِيَّةِ، الَّتِي لَا يُمْكِنُ صَاحِبُهَا أَنْ يَشُكَّ فِيهَا، وَلَا يَنْتَقِلَ عَنْهَا.

وَكَشْفُ الْمَعْرِفَةِ أَتَمُّ مِنْ كَشْفِ الْعِلْمِ. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ عِلْمٌ خَفِيٌّ]

فَصْلٌ

قَالَ: الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ: عِلْمٌ خَفِيٌّ. يَنْبُتُ فِي الْأَسْرَارِ الطَّاهِرَةِ، مِنَ الْأَبْدَانِ الزَّاكِيَةِ، بِمَاءِ الرِّيَاضَةِ الْخَالِصَةِ، وَيَظْهَرُ فِي الْأَنْفَاسِ الصَّادِقَةِ، لِأَهْلِ الْهِمَّةِ الْعَالِيَةِ، فِي الْأَحَايِينِ الْخَالِيَةِ، وَالْأَسْمَاعِ الصَّاخِيَةِ. وَهُوَ عِلْمٌ يُظْهِرُ الْغَائِبَ، وَيُغَيِّبُ الشَّاهِدَ، وَيُشِيرُ إِلَى الْجَمْعِ.

يَعْنِي: أَنَّ هَذَا الْعِلْمَ خَفَّيٌّ عَلَى أَهْلِ الدَّرَجَةِ الْأَوْلَى، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْمَعْرِفَةِ عِنْدَ هَذِهِ الطَّائِفَةِ.

قَوْلُهُ: يَنْبُتُ فِي الْأَسْرَارِ الطَّاهِرَةِ.

لَفْظُ السِّرِّ يُطْلَقُ فِي لِسَانِهِمْ وَيُرَادُ بِهِ أُمُورٌ.

أَحَدُهَا: اللَّطِيفَةُ الْمُودَعَةُ فِي هَذَا الْقَالَبِ، الَّتِي حَصَلَ بِهَا الْإِدْرَاكُ وَالْمَحَبَّةُ وَالْإِرَادَةُ وَالْعِلْمُ. وَذَلِكَ هُوَ الرُّوحُ.

الثَّانِي: مَعْنًى قَائِمٌ بِالرُّوحِ. نِسْبِتُهُ إِلَى الرُّوحِ كَنِسْبَةِ الرُّوحِ إِلَى الْبَدَنِ. وَغَالِبًا مَا يُرِيدُونَ بِهِ: هَذَا الْمَعْنَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>