للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصِّرَاطِ: كِتَابُ اللَّهِ. كَمَا فِي الْمُسْنَدِ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا: صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا. وَعَلَى جَنَبَتَيِ الصِّرَاطِ سُورَانِ. وَفِي السُّورَيْنِ أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ، وَعَلَى الْأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرَخْاةٌ، وَدَاعٍ يَدْعُو عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ، وَدَاعٍ يَدْعُو فَوْقَ الصِّرَاطِ. فَالصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ: الْإِسْلَامُ، وَالْأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ: مَحَارِمُ اللَّهِ. فَلَا يَقَعُ أَحَدٌ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ حَتَّى يَكْشِفَ السِّتْرَ. وَالدَّاعِي عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ: كِتَابُ اللَّهِ. وَالدَّاعِي فَوْقَ الصِّرَاطِ: وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُؤْمِنٍ» .

فَمَا ثَمَّ خِطَابٌ قَطُّ إِلَّا مِنْ جِهَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ: إِمَّا خِطَابُ الْقُرْآنِ، وَإِمَّا خِطَابُ هَذَا الْوَاعِظِ.

وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتِ الرُّوحُ قَدْ تَتَجَرَّدُ وَيَقْوَى تَعَلُّقُهَا بِالْحَقِّ تَعَالَى. بَلْ قَدْ تَتَلَاشَى بِمَا سِوَاهُ. وَقَدْ يَقْتَرِنُ بِذَلِكَ نَوْعُ غَيْبَةٍ مِنْ حِسِّهِ، وَيَقْوَى دَاعِي هَذَا الْوَاعِظِ. وَيَسْتَوْلِي عَلَى قَلْبِهِ وَرُوحِهِ، بِحَيْثُ يَمْتَلِئُ بِهِ، فَتُؤَدِّيهِ الرُّوحُ إِلَى الْأُذُنِ، فَيَخْرُجُ عَنِ الْأُذُنِ إِلَيْهَا. إِذْ هِيَ مَبْدَؤُهُ. وَإِلَيْهَا يَعُودُ، فَيَظُنُّهُ خِطَابًا خَارِجًا. وَيَنْضَافُ إِلَى ذَلِكَ نَوْعٌ مِنْ ضِعْفِ الْعِلْمِ وَمَعْرِفَةِ الْمَرَاتِبِ. فَيَنْشَأُ الْغَلَطُ وَالْوَهْمُ.

قَوْلُهُ " أَوْ جَذْبٌ حَقِيقِيٌّ " يَعْنِي: أَنَّ مِنْ أَسْبَابِ هَذَا الْوَجْدِ جَذْبَةٌ حَقِيقِيَّةٌ مِنْ جَذَبَاتِ الرَّبِّ تَعَالَى لِعَبْدِهِ، اسْتَفَاقَتْ لَهَا رُوحُهُ مِنْ مَنَامِهَا. وَحَيِيَتْ بِهَا بَعْدَ مَمَاتِهَا. وَاسْتَنَارَتْ بِهَا بَعْدَ ظُلُمَاتِهَا. فَالْوَجْدُ خِلْعَةُ هَذِهِ الْجَذْبَةِ.

قَوْلُهُ: إِنْ أَبْقَى عَلَى صَاحِبِهِ لِبَاسَهُ، وَإِلَّا أَبْقَى عَلَيْهِ نُورَهُ

يُرِيدُ بِلِبَاسِهِ مَقَامَهُ، يَعْنِي إِنْ أَبْقَى عَلَيْهِ تَحَقُّقَ مَقَامِهِ فِيهِ، وَإِلَّا أَبْقَى عَلَيْهِ أَثَرَهُ. فَمَقَامُهُ يُورِثُهُ عِزًّا وَمَهَابَةً وَخِلَافَةَ نُبُوَّةٍ، وَمَنْشُورَ صِدِّيقِيَّةٍ. وَأَثَرُهُ يُورِثُهُ حَلَاوَةً وَسَكِينَةً، وَأُنْسًا فِي نَفْسِهِ وَأُنْسًا لِلْقُلُوبِ بِهِ، وَهَوَى الْأَفْئِدَةِ إِلَيْهِ.

[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ وَجْدٌ يَخْطِفُ الْعَبْدَ مِنْ يَدِ الْكَوْنَيْنِ]

فَصْلٌ

قَالَ: الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ: وَجْدٌ يَخْطِفُ الْعَبْدَ مِنْ يَدِ الْكَوْنَيْنِ. وَيُمَحِّصُ مَعْنَاهُ مِنْ دَرَنِ الْحَظِّ، وَيَسْلُبُهُ مِنْ رِقِّ الْمَاءِ وَالطِّينِ، إِنْ سَلَبَهُ أَنْسَاهُ اسْمَهُ. وَإِنْ لَمْ يَسْلُبْهُ أَعَارَهُ رَسْمَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>