للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْلُهُ " مَعَ تَصْحِيحِ التَّحْقِيقِ عَقْدًا وَسُلُوكًا وَمُعَايَنَةً " يَعْنِي: أَنَّ هَذِهِ الطَّائِفَةَ يُلْبِسُونَ عَلَى أَهْلِ الْعُيُونِ الْكَلِيلَةِ أَحْوَالَهُمْ وَكَرَامَاتِهِمْ بِسَتْرِهِمْ لَهَا عَنْهُمْ، مَعَ كَوْنِهِمْ قَائِمِينَ بِالتَّحْقِيقِ اعْتِقَادًا وَسُلُوكًا وَمُعَايَنَةً، فَهُمْ مُعْتَقِدُونَ لِلْحَقِّ، سَالِكُونَ الطَّرِيقَ الْمُوصِلَةَ إِلَى الْمَقْصُودِ، أَهْلُ مُرَاقَبَةٍ وَشُهُودٍ.

قَوْلُهُ: " وَهَذِهِ الطَّائِفَةُ: رَحْمَةٌ مِنَ اللَّهِ عَلَى أَهْلِ التَّفْرِقَةِ وَالْأَسْبَابِ فِي مُلَابَسَتِهِمْ ".

وَإِنَّمَا كَانُوا رَحْمَةً مِنَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ مِنْ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ ذَاكِرُونَ اللَّهَ بَيْنَ الْغَافِلِينَ، وَفِي وَسَطِهِمْ يَرْحَمُهُمُ اللَّهُ بِهِمْ، فَإِنَّهُمُ الْقَوْمُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ، الثَّانِي: أَنَّهُمْ لَا يَتْرُكُونَهُمْ فِي غَفَلَاتِهِمْ، بَلْ يَقُومُونَ فِيهِمْ بِالنَّصِيحَةِ لَهُمْ، وَالْأَمْرِ لَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَالدَّعْوَةِ لَهُمْ إِلَى اللَّهِ، فَيُرْحَمُونَ بِهِمْ، وَيَنَالُونَ بِهِمْ سَعَادَةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَهُمْ يَتَصَرَّفُونَ مَعَ الْخَلْقِ بِحُكْمِ الْعِلْمِ وَالشَّرْعِ، وَأَحْوَالُهُمْ وَمَقَامَاتُهُمْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ خَاصَّةٌ.

[الثَّالِثُ تَلْبِيسُ أَهْلِ التَّمْكِينِ عَلَى الْعَالَمِ]

قَوْلُهُ: " التَّلْبِيسُ الثَّالِثُ: تَلْبِيسُ أَهْلِ التَّمْكِينِ عَلَى الْعَالَمِ، تَرَحُّمًا عَلَيْهِمْ بِمُلَابَسَةِ الْأَسْبَابِ، وَتَوَسُّعًا عَلَى الْعَالَمِ، لَا عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ، وَهَذِهِ دَرَجَةُ الْأَنْبِيَاءِ، ثُمَّ هِيَ لِلْأَئِمَّةِ الرَّبَّانِيِّينَ، الصَّادِرِينَ عَنْ وَادِي الْجَمْعِ، الْمُشِيرِينَ عَنْ عَيْنِهِ ".

هَذَا أَيْضًا مِنَ النَّمَطِ الْأَوَّلِ، مِمَّا يُنْكَرُ لَفْظُهُ وَإِطْلَاقُهُ غَايَةَ الْإِنْكَارِ، وَيَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ مَحْوُ هَذَا اللَّفْظِ الْقَبِيحِ، وَإِطْلَاقُهُ فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ، وَكَيْفَ تَتَّسِعُ مَسَامِعُ الْمُؤْمِنِ لِيَسْمَعَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَبَّسُوا عَلَى النَّاسِ بِأَيِّ اعْتِبَارٍ كَانَ؟ سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ! بَلِ الرُّسُلُ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ - كَشَفُوا عَنِ النَّاسِ التَّلْبِيسَ الَّذِي لَبَّسُوهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَلَبَّسَهُ عَلَيْهِمْ طَوَاغِيتُهُمْ، فَجَاءُوا بِالْبَيَانِ وَالْبُرْهَانِ وَشَيَاطِينُهُمْ.

وَكَانَ النَّاسُ فِي لَبْسٍ عَظِيمٍ ... فَجَاءُوا بِالْبَيَانِ فَأَظْهَرُوهُ

وَكَانَ النَّاسُ فِي جَهْلٍ عَظِيمٍ ... فَجَاءُوا بِالْيَقِينِ فَأَذْهَبُوهُ

وَكَانَ النَّاسُ فِي كُفْرٍ عَظِيمٍ ... فَجَاءُوا بِالرَّشَادِ فَأَبْطَلُوهُ

وَالْمُصَنِّفُ مِنْ أَثْبَتِ النَّاسِ قَدَمًا فِي مَقَامِ الْإِيمَانِ بِالرُّسُلِ وَتَعْظِيمِهِمْ، وَتَعْظِيمِ مَا

<<  <  ج: ص:  >  >>