للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا يُذَكِّرُ الْعِبَادَ بِالتَّطَهُّرِ لِلْمُوَافَاةِ وَالْقُدُومِ عَلَيْهِ، وَالدُّخُولِ وَقْتَ اللِّقَاءِ لِمَنْ عَقَلَ عَنِ اللَّهِ، وَفَهِمَ أَسْرَارَ الْعِبَادَاتِ. فَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْتَقْبِلَ بَيْتَهُ الْمُحَرَّمَ بِوَجْهِهِ، وَيَسْتُرَ عَوْرَتَهُ، وَيُطَهِّرَ بَدَنَهُ وَثِيَابَهُ، وَمَوْضِعَ مَقَامِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ. ثُمَّ يُخْلِصُ لَهُ النِّيَّةَ. فَهَكَذَا الدُّخُولُ عَلَيْهِ وَقْتَ اللِّقَاءِ، لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِأَنْ يَسْتَقْبِلَ رَبَّهُ بِقَلْبِهِ كُلِّهِ. وَيَسْتُرَ عَوْرَاتِهِ الْبَاطِنَةَ بِلِبَاسِ التَّقْوَى. وَيُطَهِّرَ قَلْبَهُ وَرُوحَهُ وَجَوَارِحَهُ مِنْ أَدْنَاسِهَا الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ. وَيَتَطَهَّرَ لِلَّهِ طُهْرًا كَامِلًا. وَيَتَأَهَّبَ لِلدُّخُولِ أَكْمَلَ تَأَهُّبٍ. وَأَوْقَاتُ الصَّلَاةِ نَظِيرُ وَقْتِ الْمُوَافَاةِ.

فَإِذَا تَأَهَّبَ الْعَبْدُ قَبْلَ الْوَقْتِ: جَاءَهُ الْوَقْتُ وَهُوَ مُتَأَهِّبٌ. فَيَدْخُلُ عَلَى اللَّهِ. وَإِذَا فَرَّطَ فِي التَّأَهُّبِ: خِيفَ عَلَيْهِ مِنْ خُرُوجِ الْوَقْتِ قَبْلَ التَّأَهُّبِ. إِذْ هُجُومُ وَقْتِ الْمُوَافَاةِ مُضَيَّقٌ لَا يَقْبَلُ التَّوْسِعَةَ. فَلَا يُمَكِّنُ الْعَبْدَ مِنَ التَّطَهُّرِ وَالتَّأَهُّبِ عِنْدَ هُجُومِ الْوَقْتِ. بَلْ يُقَالُ لَهُ: هَيْهَاتَ، فَاتَ مَا فَاتَ، وَقَدْ بَعُدَتْ بَيْنَكَ وَبَيْنَ التَّطَهُّرِ الْمَسَافَاتُ. فَمَنْ شَامَ بَرْقَ الْوَعِيدِ بِقِصَرِ الْأَمَلِ: لَمْ يَزَلْ عَلَى طَهَارَةٍ.

وَأَمَّا " تَزْهِيدُهُ فِي الْخَلْقِ عَلَى الْقُرْبِ " وَإِنْ كَانُوا أَقَارِبَهُ أَوْ مُنَاسِبِيهِ، أَوْ مُجَاوِرِيهِ وَمُلَاصِقِيهِ، أَوْ مُعَاشِرِيهِ وَمُخَالِطِيهِ: فَلِكَمَالِ حَذَرِهِ، وَاسْتِعْدَادِهِ وَاشْتِغَالِهِ بِمَا أَمَامَهُ، وَمُلَاحَظَةِ الْوَعِيدِ مِنْ أُفُقِ ذَلِكَ الْبَارِقِ الَّذِي لَيْسَ بِخُلَّبٍ، بَلْ هُوَ أَصْدَقُ بَارِقٍ.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ عَنْ قُرْبٍ أَيْ عَنْ أَقْرَبِ وَقْتٍ. فَلَا يَنْتَظِرُ بِزُهْدِهِ فِيهِمْ: أَمَلًا يُؤَمِّلُهُ. وَلَا وَقْتًا يَسْتَقْبِلُهُ.

قَوْلُهُ " وَيَرْغَبُ فِي تَطْهِيرِ السِّرِّ " يَعْنِي تَطْهِيرَ سِرِّهِ عَمَّا سِوَى اللَّهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.

[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ بَرْقٌ يَلْمَعُ مِنْ جَانِبِ اللُّطْفِ فِي عَيْنِ الِافْتِقَارِ]

فَصْلٌ

قَالَ: الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ: بَرْقٌ يَلْمَعُ مِنْ جَانِبِ اللُّطْفِ فِي عَيْنِ الِافْتِقَارِ. فَيُنْشِئُ سَحَابَ السُّرُورِ. وَيُمْطِرُ مَطَرَ الطَّرَبِ. وَيَجْرِي مِنْ نَهْرِ الِافْتِخَارِ

هَذَا الْبَرْقُ يَلْمَعُ مِنْ أُفُقِ مُلَاطَفَةِ الرَّبِّ تَعَالَى لِعَبْدِهِ بِأَنْوَاعِ الْمُلَاطَفَاتِ. وَمَطْلَعُ هَذَا الْبَرْقِ: فِي عَيْنِ الِافْتِخَارِ، الَّذِي هُوَ بَابُ السُّلُوكِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَالطَّرِيقُ الْأَعْظَمُ الَّذِي لَا يُدْخَلُ عَلَيْهِ إِلَّا مِنْهُ. وَكُلُّ طَرِيقٍ سِوَاهُ فَمَسْدُودٌ. وَمَعَ هَذَا فَلَا يَصِلُ الْعَبْدُ مِنْهُ إِلَّا بِالْمُتَابَعَةِ. فَلَا طَرِيقَ إِلَى اللَّهِ أَلْبَتَّةَ أَبَدًا - وَلَوْ تَعَنَّى الْمُتَعَنُّونَ، وَتَمَنَّى الْمُتَمَنُّونَ - إِلَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>