للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يُنْقِصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ» .

[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الصِّدْقِ]

[حَقِيقَةُ الصِّدْقِ]

فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الصِّدْقِ

وَمِنْ مَنَازِلِ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: ٥] مَنْزِلَةُ الصِّدْقِ وَهِيَ مَنْزِلَةُ الْقَوْمِ الْأَعْظَمِ. الَّذِي مِنْهُ تَنْشَأُ جَمِيعُ مَنَازِلِ السَّالِكِينَ، وَالطَّرِيقُ الْأَقْوَمُ الَّذِي مَنْ لَمْ يَسِرْ عَلَيْهِ فَهُوَ مِنَ الْمُنْقَطِعِينَ الْهَالِكِينَ. وَبِهِ تَمَيَّزَ أَهْلُ النِّفَاقِ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ، وَسُكَّانُ الْجِنَانِ مِنْ أَهْلِ النِّيرَانِ. وَهُوَ سَيْفُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ الَّذِي مَا وُضِعَ عَلَى شَيْءٍ إِلَّا قَطَعَهُ. وَلَا وَاجَهَ بَاطِلًا إِلَّا أَرْدَاهُ وَصَرَعَهُ. مَنْ صَالَ بِهِ لَمْ تُرَدَّ صَوْلَتُهُ. وَمَنْ نَطَقَ بِهِ عَلَتْ عَلَى الْخُصُومِ كَلِمَتُهُ. فَهُوَ رُوحُ الْأَعْمَالِ، وَمَحَكُّ الْأَحْوَالِ، وَالْحَامِلُ عَلَى اقْتِحَامِ الْأَهْوَالِ، وَالْبَابُ الَّذِي دَخَلَ مِنْهُ الْوَاصِلُونَ إِلَى حَضْرَةِ ذِي الْجَلَالِ. وَهُوَ أَسَاسُ بِنَاءِ الدِّينِ، وَعَمُودُ فُسْطَاطِ الْيَقِينِ. وَدَرَجَتُهُ تَالِيَةٌ لِدَرَجَةِ النُّبُوَّةِ الَّتِي هِيَ أَرْفَعُ دَرَجَاتِ الْعَالِمِينَ. وَمِنْ مَسَاكِنِهِمْ فِي الْجَنَّاتِ تُجْرَى الْعُيُونُ وَالْأَنْهَارُ إِلَى مَسَاكِنِ الصِّدِّيقِينَ. كَمَا كَانَ مِنْ قُلُوبِهِمْ إِلَى قُلُوبِهِمْ فِي هَذِهِ الدَّارِ مَدَدٌ مُتَّصِلٌ وَمَعِينٌ.

وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَهْلَ الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ. وَخَصَّ الْمُنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِالنَّبِيَّيْنِ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ. فَقَالَ تَعَالَى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: ١١٩] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [النساء: ٦٩] فَهُمُ الرَّفِيقُ الْأَعْلَى {وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: ٦٩] وَلَا يَزَالُ اللَّهُ يَمُدُّهُمْ بِأَنْعُمِهِ وَأَلْطَافِهِ وَمَزِيدِهِ إِحْسَانًا مِنْهُ وَتَوْفِيقًا. وَلَهُمْ مَرْتَبَةُ الْمَعِيَّةِ مَعَ اللَّهِ. فَإِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّادِقِينَ، وَلَهُمْ مَنْزِلَةُ الْقُرْبِ مِنْهُ. إِذْ دَرَجَتُهُمْ مِنْهُ ثَانِي دَرَجَةِ النَّبِيِّينَ.

وَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ مَنْ صَدَقَهُ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ. فَقَالَ {فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} [محمد: ٢١] .

<<  <  ج: ص:  >  >>