للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَدَعْهَا رُسُومًا دَارِسَاتٍ فَمَا بِهَا

مَقِيلٌ فَجَاوِزْهَا فَلَيْسَتْ مَنَازِلَا ... رُسُومٌ عَفَتْ يَفْنَى بِهَا الْخَلْقُ كَمْ بِهَا

قَتِيلٌ؟ وَكَمْ فِيهَا لِذَا الْخُلُقِ قَاتِلَا ... وَخُذْ يَمْنَةً عَنْهَا عَلَى الْمَنْهَجِ الَّذِي

عَلَيْهِ سَرَى وَفْدُ الْمَحَبَّةِ آهِلَا ... وَقُلْ سَاعِدِي يَا نَفْسُ بِالصَّبْرِ سَاعَةً

فَعِنْدَ اللُّقَّا ذَا الْكَدِّ يُصْبِحُ زَائِلَا ... فَمَا هِيَ إِلَّا سَاعَةٌ ثُمَّ تَنْقَضِي

وَيُصْبِحُ ذُو الْأَحْزَانِ فَرْحَانَ جَاذِلَا

أَوَّلُ نَقْدَةٍ مِنْ أَثْمَانِ الْمَحَبَّةِ: بَذْلُ الرُّوحِ فَمَا لِلْمُفْلِسِ الْجَبَانِ الْبَخِيلِ وَسَوْمِهَا؟

بِدَمِ الْمُحِبِّ يُبَاعُ وَصْلُهُمْ ... فَمَنِ الَّذِي يَبْتَاعُ بِالثَّمَنِ

تَاللَّهِ مَا هُزِلَتْ فَيَسْتَامَهَا الْمُفْلِسُونَ، وَلَا كَسَدَتْ فَيَبِيعَهَا بِالنَّسِيئَةِ الْمُعْسِرُونَ، لَقَدْ أُقِيمَتْ لِلْعَرْضِ فِي سُوقِ مَنْ يَزِيدُ، فَلَمْ يُرْضَ لَهَا بِثَمَنٍ دُونَ بَذْلِ النُّفُوسِ. فَتَأَخَّرَ الْبَطَّالُونَ. وَقَامَ الْمُحِبُّونَ يَنْظُرُونَ: أَيُّهُمُّ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا؟ فَدَارَتِ السِّلْعَةُ بَيْنَهُمْ. وَوَقَعَتْ فِي يَدِ {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة: ٥٤] .

لَمَّا كَثُرَ الْمُدَّعُونَ لِلْمَحَبَّةِ طُولِبُوا بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى صِحَّةِ الدَّعْوَى. فَلَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى الْخَلِيُّ حُرْقَةَ الشَّجِيِّ. فَتَنَوَّعَ الْمُدَّعُونَ فِي الشُّهُودِ. فَقِيلَ: لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الدَّعْوَى إِلَّا بِبَيِّنَةٍ {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: ٣١] .

فَتَأَخَّرَ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ. وَثَبَتَ أَتْبَاعُ الْحَبِيبِ فِي أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ وَأَخْلَاقِهِ. فَطُولِبُوا بِعَدَالَةِ الْبَيِّنَةِ بِتَزْكِيَةِ {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} [المائدة: ٥٤] .

فَتَأَخَّرَ أَكْثَرُ الْمُحِبِّينَ وَقَامَ الْمُجَاهِدُونَ، فَقِيلَ لَهُمْ: إِنَّ نُفُوسَ الْمُحِبِّينَ وَأَمْوَالَهُمْ لَيْسَتْ لَهُمْ. فَهَلُمُّوا إِلَى بَيْعَةِ {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة: ١١١] .

فَلَمَّا عَرَفُوا عَظَمَةَ الْمُشْتَرِي، وَفَضْلَ الثَّمَنِ، وَجَلَالَةَ مَنْ جَرَى عَلَى يَدَيْهِ عَقْدُ التَّبَايُعِ: عَرَفُوا قَدْرَ السِّلْعَةِ، وَأَنَّ لَهَا شَأْنًا. فَرَأَوْا مِنْ أَعْظَمِ الْغَبْنِ أَنْ يَبِيعُوهَا لِغَيْرِهِ بِثَمَنٍ بَخْسٍ. فَعَقَدُوا مَعَهُ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ بِالتَّرَاضِي، مِنْ غَيْرِ ثُبُوتِ خِيَارٍ. وَقَالُوا: وَاللَّهِ لَا نُقِيلُكَ وَلَا نَسْتَقِيلُكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>