مَقَامِ حَقَائِقِهَا وَأَذْوَاقِهَا، وَمَوَاجِيدِهَا، وَأَحْوَالِهَا. فَيَتَرَقَّى مِنَ الْإِسْلَامِ إِلَى الْإِيمَانِ، وَمِنَ الْإِيمَانِ إِلَى الْإِحْسَانِ.
وَأَمَّا تَرْوِيحُ الْأُنْسِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ: فَإِنَّ السَّالِكَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ يَجِدُ تَعَبَ التَّكَالِيفِ وَمَشَقَّةَ الْعَمَلِ. لِعَدَمِ أُنْسِ قَلْبِهِ بِمَعْبُودِهِ. فَإِذَا حَصَلَ لِلْقَلْبِ رُوحُ الْأُنْسِ زَالَتْ عَنْهُ تِلْكَ التَّكَالِيفُ وَالْمَشَاقُّ. فَصَارَتْ قُرَّةَ عَيْنٍ لَهُ. وَقُوَّةً وَلَذَّةً.
فَتَصِيرُ الصَّلَاةُ قُرَّةَ عَيْنِهِ، بَعْدَ أَنْ كَانَتْ عِبْئًا عَلَيْهِ. وَيَسْتَرِيحُ بِهَا، بَعْدَ أَنْ كَانَ يَطْلُبُ الرَّاحَةَ مِنْهَا. فَلَهُ مِيرَاثٌ مِنْ قَوْلِهِ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ يَا بِلَالُ» . «وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ» بِحَسَبِ إِرَادَتِهِ، وَمَحَبَّتِهِ، وَأُنْسِهِ بِاللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَوَحْشَتِهِ مِمَّا سِوَاهُ.
وَأَمَّا السَّيْرُ بَيْنَ الْقَبْضِ وَالْبَسْطِ.
فَ " الْقَبْضُ وَالْبَسْطُ " حَالَتَانِ تَعْرِضَانِ لِكُلِّ سَالِكٍ. يَتَوَلَّدَانِ مِنَ الْخَوْفِ تَارَةً، وَالرَّجَاءِ تَارَةً، فَيَقْبِضُهُ الْخَوْفُ. وَيَبْسُطُهُ الرَّجَاءُ.
وَيَتَوَلَّدَانِ مِنَ الْوَفَاءِ تَارَةً، وَالْجَفَاءِ تَارَةً، فَوَفَاؤُهُ: يُورِثُهُ الْبَسْطَ. وَرَجَاؤُهُ يُورِثُهُ الْقَبْضَ.
وَيَتَوَلَّدَانِ مِنَ التَّفْرِقَةِ تَارَةً، وَالْجَمْعِيَّةِ تَارَةً، فَتَفْرِقَتُهُ تُورِثُهُ الْقَبْضَ. وَجَمْعِيَّتُهُ تُورِثُهُ الْبَسْطَ.
وَيَتَوَلَّدَانِ مِنْ أَحْكَامِ الْوَارِدِ تَارَةً. فَوَارِدٌ يُورِثُ قَبْضًا، وَوَارِدٌ يُورِثُ بَسْطًا.
وَقَدْ يَهْجُمُ عَلَى قَلْبِ السَّالِكِ قَبْضٌ لَا يَدْرِي مَا سَبَبُهُ. وَبَسْطٌ لَا يَدْرِي مَا سَبَبُهُ. وَحُكْمُ صَاحِبِ هَذَا الْقَبْضِ: أَمْرَانِ.
الْأَوَّلُ: التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ. لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَبْضَ نَتِيجَةُ جِنَايَةٍ. أَوْ جَفْوَةٍ. وَلَا يَشْعُرُ بِهَا.
وَالثَّانِي: الِاسْتِسْلَامُ حَتَّى يَمْضِيَ عَنْهُ ذَلِكَ الْوَقْتُ، وَلَا يَتَكَلَّفُ دَفْعَهُ. وَلَا يَسْتَقْبِلُ وَقْتَهُ مُغَالَبَةً وَقَهْرًا. وَلَا يَطْلُبُ طُلُوعَ الْفَجْرِ فِي وَسَطِ اللَّيْلِ، وَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَمْضِيَ عَامَّةُ اللَّيْلِ. وَيَحِينَ طُلُوعُ الْفَجْرِ. وَانْقِشَاعُ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ. بَلْ يَصْبِرَ حَتَّى يَهْجُمَ عَلَيْهِ الْمَلِكُ. فَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ.
وَكَذَلِكَ إِذَا هَجَمَ عَلَيْهِ وَارِدُ الْبَسْطِ: فَلْيَحْذَرْ كُلَّ الْحَذَرِ مِنَ الْحَرَكَةِ وَالِاهْتِزَازِ. وَلْيُحْرِزْهُ بِالسُّكُونِ وَالِانْكِمَاشِ. فَالْعَاقِلُ يَقِفُ عَلَى الْبِسَاطِ، وَيَحْذَرُ مِنْ الِانْبِسَاطِ، وَهَذَا