للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «الطِّيَرَةُ شِرْكٌ، وَمَا مِنَّا إِلَّا. وَلَكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ» .

وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ - وَهِيَ قَوْلُهُ: وَمَا مَنَّا إِلَّا - يَعْنِي مَنْ يَعْتَرِيهِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهَا بِالتَّوَكُّلِ - مُدْرَجَةٌ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَجَاءَ ذَلِكَ مُبَيَّنًا.

وَمِنْ لَهُ يَقَظَةٌ يَرَى وَيَسْمَعُ مِنْ ذَلِكَ عَجَائِبَ. وَهِيَ مِنْ إِلْقَاءِ الْمَلَكِ تَارَةً عَلَى لِسَانِ النَّاطِقِ. وَتَارَةً مِنْ إِلْقَاءِ الشَّيْطَانِ.

فَالْإِلْقَاءُ الْمَلَكِيُّ: تَبْشِيرٌ وَتَحْذِيرٌ وَإِنْذَارٌ. وَالْإِلْقَاءُ الشَّيْطَانِيُّ: تَحْزِينٌ وَتَخْوِيفٌ وَشِرْكٌ. وَصَدٌّ عَنِ الْمَطَالِبِ.

وَصَاحِبُ الْهِمَّةِ وَالْعَزِيمَةِ: لَا يَتَقَيَّدُ بِذَلِكَ. وَلَا يَصْرِفُ إِلَيْهِ هِمَّتَهُ. وَإِذَا سَمِعَ مَا يَسُرُّهُ اسْتَبْشَرَ. وَقَوِيَ رَجَاؤُهُ وَحَسُنَ ظَنُّهُ. وَحَمِدَ اللَّهَ. وَسَأَلَهُ إِتْمَامَهُ. وَاسْتَعَانَ بِهِ عَلَى حُصُولِهِ. وَإِذَا سَمِعَ مَا يَسُوءُهُ: اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ وَوَثِقَ بِهِ. وَتَوَكَّلَ عَلَيْهِ. وَلَجَأَ إِلَيْهِ، وَالْتَجَأَ إِلَى التَّوْحِيدِ. وَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا طَيْرَ إِلَّا طَيْرُكَ. وَلَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُكَ. وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ. اللَّهُمَّ لَا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلَّا أَنْتَ. وَلَا يَذْهَبُ بِالسَّيِّئَاتِ إِلَّا أَنْتَ. وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ.

وَمَنْ جَعَلَ هَذَا نُصْبَ قَلْبِهِ، وَعَلَّقَ بِهِ هِمَّتَهُ: كَانَ ضَرَرُهُ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ نَفْعِهِ.

قَوْلُهُ: وَهَذَا شَيْءٌ لَا يَخْلُصُ مِنَ الْكَهَانَةِ

يَعْنِي: أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْكَهَانَةِ. وَأَحْوَالُ الْكُهَّانِ مَعْلُومَةٌ قَدِيمًا وَحَدِيثًا فِي إِخْبَارِهِمْ عَنْ نَوْعٍ مِنَ الْمَغِيبَاتِ بِوَاسِطَةِ إِخْوَانِهِمْ مِنَ الشَّيَاطِينِ الَّذِينَ يُلْقُونَ إِلَيْهِمُ السَّمْعَ، وَلَمْ يَزَلْ هَؤُلَاءِ فِي الْوُجُودِ. وَيَكْثُرُونَ فِي الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ الَّتِي يَخْفَى فِيهَا نُورُ النُّبُوَّةِ. وَلِذَلِكَ كَانُوا أَكْثَرَ مَا كَانُوا فِي زَمَنِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَكُلُّ زَمَانِ جَاهِلِيَّةٍ وَبَلَدِ جَاهِلِيَّةٍ وَطَائِفَةِ جَاهِلِيَّةٍ، فَلَهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>