وَفِي السُّنَنِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ. فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ. وَلَا تُبَغِّضَنَّ إِلَى نَفْسِكَ عِبَادَةَ اللَّهِ» . أَوْ كَمَا قَالَ.
وَقَوْلُهُ: وَلَا يُحْمَلَا عَلَى عِلَّةٍ تُوهِنُ الِانْقِيَادَ.
يُرِيدُ: أَنْ لَا يَتَأَوَّلَ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ عِلَّةً تَعُودُ عَلَيْهِمَا بِالْإِبْطَالِ، كَمَا تَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ بِأَنَّهُ مُعَلَّلٌ بِإِيقَاعِ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ، وَالتَّعَرُّضِ لِلْفَسَادِ. فَإِذَا أَمِنَ مِنْ هَذَا الْمَحْذُورِ مِنْهُ جَازَ شُرْبُهُ. كَمَا قِيلَ:
أَدِرْهَا فَمَا التَّحْرِيمُ فِيهَا لِذَاتِهَا ... وَلَكِنْ لِأَسْبَابٍ تَضَمَّنَّهَا السُّكْرُ
إِذَا لَمْ يَكُنْ سُكْرٌ يُضِلُّ عَنِ الْهُدَى ... فَسِيَّانِ مَاءٌ فِي الزُّجَاجَةِ أَوْ خَمْرُ
وَقَدْ بَلَغَ هَذَا بِأَقْوَامٍ إِلَى الِانْسِلَاخِ مِنَ الدِّينِ جُمْلَةً. وَقَدْ حَمَلَ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنْ جَعَلُوا تَحْرِيمَ مَا عَدَا شَرَابِ خَمْرِ الْعِنَبِ مُعَلَّلًا بِالْإِسْكَارِ. فَلَهُ أَنْ يَشْرَبَ مِنْهُ مَا شَاءَ، مَا لَمْ يُسْكِرْ.
وَمِنَ الْعِلَلِ الَّتِي تُوهِنُ الِانْقِيَادَ: أَنْ يُعَلِّلَ الْحُكْمَ بِعِلَّةٍ ضَعِيفَةٍ، لَمْ تَكُنْ هِيَ الْبَاعِثَةَ عَلَيْهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. فَيَضْعُفَ انْقِيَادُ الْعَبْدِ إِذَا قَامَ عِنْدَهُ أَنَّ هَذِهِ هِيَ عِلَّةُ الْحَكَمِ. وَلِهَذَا كَانَتْ طَرِيقَةُ الْقَوْمِ عَدَمُ التَّعَرُّضِ لِعِلَلِ التَّكَالِيفِ خَشْيَةَ هَذَا الْمَحْذُورِ.
وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ الْقَدِيمَةِ: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ. لَا تَقُولُوا: لِمَ أَمَرَ رَبُّنَا؟ وَلَكِنْ قُولُوا: بِمَ أَمَرَ رَبُّنَا؟ .
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يَمْتَثِلِ الْأَمْرَ حَتَّى تَظْهَرَ لَهُ عِلَّتُهُ، لَمْ يَكُنْ مُنْقَادًا لِلْأَمْرِ. وَأَقَلُّ دَرَجَاتِهِ: أَنْ يَضْعُفَ انْقِيَادُهُ لَهُ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ إِذَا نَظَرَ إِلَى حِكَمِ الْعِبَادَاتِ وَالتَّكَالِيفِ مَثَلًا. وَجَعَلَ الْعِلَّةَ فِيهَا هِيَ جَمْعِيَّةَ الْقَلْبِ، وَالْإِقْبَالَ بِهِ عَلَى اللَّهِ. فَقَالَ: أَنَا أَشْتَغِلُ بِالْمَقْصُودِ عَنِ الْوَسِيلَةِ. فَاشْتَغَلَ بِجَمْعِيَّتِهِ وَخَلْوَتِهِ عَنْ أَوْرَادِ الْعِبَارَاتِ فَعَطَّلَهَا، وَتَرَكَ الِانْقِيَادَ بِحَمْلِهِ الْأَمْرَ عَلَى الْعِلَّةِ الَّتِي أَذْهَبَتِ انْقِيَادَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute