الرَّابِعُ: اللُّبُّ. وَمِنْهُ: حَبَّةُ الْقَلْبِ، لِلُبِّهِ وَدَاخِلِهِ. وَمِنْهُ الْحَبَّةُ لِوَاحِدَةِ الْحُبُوبِ. إِذْ هِيَ أَصْلُ الشَّيْءِ وَمَادَّتُهُ وَقِوَامُهُ.
الْخَامِسُ: الْحِفْظُ وَالْإِمْسَاكُ. وَمِنْهُ حِبُّ الْمَاءِ لِلْوِعَاءِ الَّذِي يُحْفَظُ فِيهِ وَيُمْسِكُهُ وَفِيهِ مَعْنَى الثُّبُوتِ أَيْضًا.
وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذِهِ الْخَمْسَةَ مِنْ لَوَازِمِ الْمَحَبَّةِ. فَإِنَّهَا صَفَاءُ الْمَوَدَّةِ، وَهَيَجَانُ إِرَادَاتِ الْقَلْبِ لِلْمَحْبُوبِ. وَعُلُوُّهَا وَظُهُورُهَا مِنْهُ لِتَعَلُّقِهَا بِالْمَحْبُوبِ الْمُرَادِ. وَثُبُوتِ إِرَادَةِ الْقَلْبِ لِلْمَحْبُوبِ. وَلُزُومِهَا لُزُومًا لَا تُفَارِقُهُ، وَلِإِعْطَاءِ الْمُحِبِّ مَحْبُوبَهُ لُبَّهُ، وَأَشْرَفَ مَا عِنْدَهُ. وَهُوَ قَلْبُهُ، وَلِاجْتِمَاعِ عَزَمَاتِهِ وَإِرَادَاتِهِ وَهُمُومِهِ عَلَى مَحْبُوبِهِ.
فَاجْتَمَعَتْ فِيهَا الْمَعَانِي الْخَمْسَةُ. وَوَضَعُوا لِمَعْنَاهَا حَرْفَيْنِ مُنَاسِبَيْنِ لِلْمُسَمَّى غَايَةَ الْمُنَاسَبَةِ " الْحَاءَ " الَّتِي هِيَ مِنْ أَقْصَى الْحَلْقِ، وَ " الْبَاءَ " الشَّفَوِيَّةَ الَّتِي هِيَ نِهَايَتُهُ. فَلِلْحَاءِ الِابْتِدَاءُ، وَلِلْبَاءِ الِانْتِهَاءُ. وَهَذَا شَأْنُ الْمَحَبَّةِ وَتَعَلُّقُهَا بِالْمَحْبُوبِ. فَإِنَّ ابْتِدَاءَهَا مِنْهُ وَانْتِهَاءَهَا إِلَيْهِ. وَقَالُوا فِي فِعْلِهَا: حَبَّهُ وَأَحَبَّهُ. قَالَ الشَّاعِرُ:
أُحِبُّ أَبَا ثَرْوَانَ مِنْ حُبِّ تَمْرِهِ ... وَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الرِّفْقَ بِالْجَارِ أَرْفَقُ
فَوَاللَّهِ لَوْلَا تَمْرُهُ مَا حَبَبْتُهُ ... وَلَا كَانَ أَدْنَى مِنْ عُبَيْدٍ وَمِشْرِقِ
ثُمَّ اقْتَصَرُوا عَلَى اسْمِ الْفَاعِلِ مِنْ أَحَبَّ فَقَالُوا: مُحِبٌّ، وَلَمْ يَقُولُوا: حَابٌّ، وَاقْتَصَرُوا عَلَى اسْمِ الْمَفْعُولِ مِنْ حَبَّ، فَقَالُوا: مَحْبُوبٌ، وَلَمْ يَقُولُوا: مُحَبٌّ إِلَّا قَلِيلًا. كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
وَلَقَدْ نَزَلْتِ فَلَا تَظُنِّي غَيْرَهُ ... مِنِّي بِمَنْزِلَةِ الْمُحَبِّ الْمُكْرَمِ
وَأَعْطَوُا الْحُبَّ حَرَكَةَ الضَّمِّ الَّتِي هِيَ أَشَدُّ الْحَرَكَاتِ وَأَقْوَاهَا، مُطَابَقَةً لِشِدَّةِ حَرَكَةِ مُسَمَّاهُ وَقُوَّتِهَا. وَأَعْطَوُا الْحِبَّ وَهُوَ الْمَحْبُوبُ: حَرَكَةَ الْكَسْرِ لِخِفَّتِهَا عَنِ الضَّمَّةِ، وَخِفَّةِ الْمَحْبُوبِ، وَخِفَّةِ ذِكْرِهِ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَأَلْسِنَتِهِمْ: مِنْ إِعْطَائِهِ حُكْمَ نَظَائِرِهِ، كَنِهْبٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute