قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: سَمِعْتُ الْأُسْتَاذَ أَبَا عَلِيٍّ الدَّقَّاقَ يُفَرِّقُ بَيْنَ الشَّوْقِ وَالِاشْتِيَاقِ. وَيَقُولُ: الشَّوْقُ يَسْكُنُ بِاللِّقَاءِ. وَالِاشْتِيَاقُ لَا يَزُولُ بِاللِّقَاءِ. قَالَ: وَفِي مَعْنَاهُ أَنْشَدُوا:
مَا يَرْجِعُالطَّرْفُ عَنْهُ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ ... حَتَّى يَعُودَ إِلَيْهِالطَّرْفُ مُشْتَاقَا
وَقَالَ النَّصْرَابَاذِيُّ: لِلْخَلْقِكُلِّهِمْ مَقَامُ الشَّوْقِ. وَلَيْسَ لَهُمْ مَقَامُ الِاشْتِيَاقِ. وَمَنْ دَخَلَ فِي حَالِ الِاشْتِيَاقِ هَامَ فِيهِ حَتَّى لَا يُرَى لَهُ فِيهِ أَثَرٌ وَلَا قَرَارٌ.
قَالَ الدَّقَّاقُ - فِي قَوْلِ مُوسَى {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه: ٨٤] قَالَ: مَعْنَاهُ شَوْقًا إِلَيْكَ. فَسَتَرَهُ بِلَفْظِ الرِّضَا.
وَقِيلَ: إِنَّ أَهْلَ الشَّوْقِ إِلَى لِقَاءِ اللَّهِ يَتَحَسَّوْنَ حَلَاوَةَ الْقُرْبِ عِنْدَ وُرُودِهِ - لِمَا قَدْ كُشِفَ لَهُمْ مِنْ رُوحِ الْوُصُولِ - أَحْلَى مِنَ الشَّهْدِ. فَهُمْ فِي سَكَرَاتِهِ فِي أَعْظَمِ لَذَّةٍ وَحَلَاوَةٍ. وَقِيلَ: مَنِ اشْتَاقَ إِلَى اللَّهِ اشْتَاقَ إِلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ. كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: أَنَا أَدْخُلُ فِي الشَّوْقِ وَالْأَشْيَاءُ تَشْتَاقُ إِلَيَّ. وَأَتَأَخَّرُ عَنْ جَمِيعِهَا. وَفِي مِثْلِ هَذَا قِيلَ:
إِذَا اشْتَاقَتِ الْخَيْلُ الْمَنَاهِلَ أَعْرَضَتْ ... عَنِ الْمَاءِ فَاشْتَاقَتْ إِلَيْهَا الْمَنَاهِلُ
وَكَانَتْ عَجُوزٌ مُغَيَّبَةٌ. فَقَدِمَ غَائِبُهَا مِنَ السَّفَرِ. فَفَرِحَ بِهِ أَهْلُهُ وَأَقَارِبُهُ، وَقَعَدَتْ هِيَ تَبْكِي. فَقِيلَ لَهَا: مَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَتْ: ذَكَّرَنِي قُدُومُ هَذَا الْفَتَى يَوْمَ الْقُدُومِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
يَا مَنْ شَكَا شَوْقُهُ مِنْ طُولِ فُرْقَتِهِ ... اصْبِرْ لَعَلَّكَ تَلْقَى مَنْ تُحِبُّ غَدَا
وَقِيلَ: خَرَجَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَوْمًا إِلَى الصَّحْرَاءِ مُنْفَرِدًا. فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ: مَا لِي أَرَاكَ مُنْفَرِدًا؟ فَقَالَ: إِلَهِي اسْتَأْثَرَ شَوْقِي إِلَى لِقَائِكَ عَلَى قَلْبِي. فَحَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute