للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَفْدِ. وَهُمُ الَّذِينَ {كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} [التوبة: ٤٦] فَثَبَّطَ عَزَائِمَهُمْ وَهِمَمَهُمْ: أَنْ تَسِيرَ إِلَيْهِ وَإِلَى جَنَّتِهِ. وَأَمَرَ قُلُوبَهُمْ أَمْرًا كَوْنِيًّا قَدَرِيًّا: أَنْ تَقْعُدَ مَعَ الْقَاعِدِينَ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنِ السَّعْيِ إِلَى مَحَابِّهِ. فَلَوْ عَايَنْتَ قُلُوبَهُمْ - حِينَ أُمِرَتْ بِالْقُعُودِ عَنْ مُرَافَقَةِ الْوَفْدِ، وَقَدْ غَمَرَتْهَا الْهُمُومُ، وَعَقَدَتْ عَلَيْهَا سَحَائِبُ الْبَلَاءِ، فَأَحْضَرَتْ كُلَّ حُزْنٍ وَغَمٍّ، وَأَمْوَاجُ الْقَلَقِ وَالْحَسَرَاتِ تَتَقَاذَفُ بِهَا، وَقَدْ غَابَتْ عَنْهَا الْمَسَرَّاتُ. وَنَابَتْ عَنْهَا الْأَحْزَانُ - لَعَلِمْتَ أَنَّ الْأَبْرَارَ فِي هَذِهِ الدَّارِ فِي نَعِيمٍ. وَأَنَّ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ رُفْقَتِهِمْ فِي جَحِيمٍ.

وَهَذَا الْحُزْنُ يَذْهَبُ بِهِ ذَوْقُ طَعْمِ الْإِيمَانِ. فَيُذِيقُ الصِّدِّيقَ طَعْمَ الْوَعْدِ الَّذِي وُعِدَ بِهِ عَلَى لِسَانِ الرَّسُولِ. فَلَا يَعْقِلُهُ ظَنٌّ. وَلَا يَقْطَعُهُ أَمَلٌ. وَلَا تَعُوقُهُ أُمْنِيَّةٌ - كَمَا تَقَدَّمَ - فَيُبَاشِرُ قَلْبُهُ حَقِيقَةَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} [القصص: ٦١] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [فاطر: ٥] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ - وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ - وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [البقرة: ٢٢٣] . وَأَمْثَالِ هَذِهِ الْآيَاتِ.

قَوْلُهُ: وَحُزْنٌ هَاجَتْهُ ظُلْمَةُ الْجَهْلِ.

وَهَذَا الْحُزْنُ الثَّانِي: الَّذِي يُذْهِبُ سُرُورَ الذَّوْقِ، هُوَ حَزْنُ ظُلْمَةِ الْجَهْلِ.

وَالْجَهْلُ نَوْعَانِ: جَهْلُ عِلْمٍ وَمَعْرِفَةٍ. وَهُوَ مُرَادُ الشَّيْخِ هَاهُنَا، وَجَهْلُ عَمَلٍ وَغَيٍّ. وَكِلَاهُمَا لَهُ ظُلْمَةٌ وَوَحْشَةٌ فِي الْقَلْبِ، وَكَمَا أَنَّ الْعِلْمَ يُوجِبُ نُورًا وَأُنْسًا. فَضِدُّهُ يُوجِبُ ظُلْمَةً وَيُوقِعُ وَحْشَةً. وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْعِلْمَ الَّذِي بَعَثَ بِهِ رَسُولَهُ نُورًا وَهُدًى وَحَيَاةً. وَسَمَّى ضِدَّهُ: ظُلْمَةً وَمَوْتًا وَضَلَالًا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ - وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ} [البقرة: ٢٥٧] وَقَالَ تَعَالَى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام: ١٢٢]

<<  <  ج: ص:  >  >>