وَقَالَ تَعَالَى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة: ١٥] .
وَقَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا} [النساء: ١٧٤] وَقَالَ تَعَالَى: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: ١٥٧] وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى: ٥٢] . فَجَعَلَهُ رُوحًا لِمَا يَحْصُلُ بِهِ مِنْ حَيَاةِ الْقُلُوبِ وَالْأَرْوَاحِ. وَنُورًا لِمَا يَحْصُلُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالرَّشَادِ.
وَمَثَّلَ هَذَا النُّورَ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ: {كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ - الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ - الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ - نُورٌ عَلَى نُورٍ - يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور: ٣٥] وَمَثَّلَ حَالَ مَنْ فَقَدَ هَذَا النُّورِ: بِمَنْ هُوَ فِي {ظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: ٤٠] .
الْحُزْنُ الثَّالِثُ: حُزْنٌ بَعَثَتْهُ وَحْشَةُ التَّفَرُّقِ. وَهُوَ تَفَرُّقُ الْهَمِّ وَالْقَلْبِ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَلِهَذَا التَّفَرُّقِ حُزْنٌ مُمِضٌّ عَلَى فَوَاتِ جَمْعِيَّةِ الْقَلْبِ عَلَى اللَّهِ وَلَذَّاتِهَا وَنَعِيمِهَا، فَلَوْ فُرِضَتْ لَذَّاتُ أَهْلِ الدُّنْيَا بِأَجْمَعِهَا حَاصِلَةً لِرَجُلٍ لَمْ يَكُنْ لَهَا نِسْبَةٌ إِلَى لَذَّةِ جَمْعِيَّةِ قَلْبِهِ عَلَى اللَّهِ، وَفَرَحِهِ بِهِ، وَأُنْسِهِ بِقُرْبِهِ، وَشَوْقِهِ إِلَى لِقَائِهِ. وَهَذَا أَمْرٌ لَا يُصَدِّقُ بِهِ إِلَّا مَنْ ذَاقَهُ. فَإِنَّمَا يُصَدِّقُكَ مَنْ أَشْرَقَ فِيهِ مَا أَشْرَقَ فِيكَ. وَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلُ:
أَيَا صَاحِبِي أَمَا تَرَى نَارَهُمْ ... فَقَالَ: تُرِينِي مَا لَا أَرَى
سَقَاكَ الْغَرَامُ وَلَمْ يَسْقِنِي ... فَأَبْصَرْتَ مَا لَمْ أَكُنْ مُبْصِرًا
فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي التَّفَرُّقِ الْمَذْكُورِ إِلَّا أَلَمُ الْوَحْشَةِ، وَنَكَدُ التَّشَتُّتِ، وَغُبَارُ الشَّعَثِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute