للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صِدْقُ خَوْفٍ. أَوْ لِتَلَهُّبِ شَوْقٍ جَذَبَهُ اشْتِعَالُ مَحَبَّةٍ.

وَجْهُ اسْتِشْهَادِهِ بِالْآيَةِ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدَّرَ مَجِيءَ مُوسَى أَحْوَجَ مَا كَانَ الْوَقْتُ إِلَيْهِ. فَإِنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: جَاءَ فُلَانٌ عَلَى قَدَرٍ. إِذَا جَاءَ وَقْتُ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ. قَالَ جَرِيرٌ:

نَالَ الْخِلَافَةَ إِذْ كَانَتْ عَلَى قَدَرٍ ... كَمَا أَتَى رَبَّهُ مُوسَى عَلَى قَدَرِ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: عَلَى مَوْعِدٍ. وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ. لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ بَيْنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَبَيْنَ مُوسَى مَوْعِدٌ لِلْمَجِيءِ، حَتَّى يُقَالَ: إِنَّهُ أَتَى عَلَى ذَلِكَ الْمَوْعِدِ.

وَلَكِنْ وَجْهُ هَذَا: أَنَّ الْمَعْنَى: جِئْتَ عَلَى الْمَوْعِدِ الَّذِي وَعَدْنَا أَنْ نُنْجِزَهُ، وَالْقَدَرِ الَّذِي قَدَّرْنَا أَنْ يَكُونَ فِي وَقْتِهِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا - وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا} [الإسراء: ١٠٧ - ١٠٨] لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَعَدَ بِإِرْسَالِ نَبِيٍّ فِي آخِرِ الزَّمَانِ يَمْلَأُ الْأَرْضَ نُورًا وَهُدًى. فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ: عَلِمُوا أَنَّ اللَّهَ أَنْجَزَ ذَلِكَ الْوَعْدَ الَّذِي وَعَدَ بِهِ.

وَاسْتِشْهَادُهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى مَحَلِّهِ مِنَ الْعِلْمِ. لِأَنَّ الشَّيْءَ إِذَا وَقَعَ فِي وَقْتِهِ الَّذِي هُوَ أَلْيَقُ الْأَوْقَاتِ بِوُقُوعِهِ فِيهِ: كَانَ أَحْسَنَ وَأَنْفَعَ وَأَجْدَى. كَمَا إِذَا وَقَعَ الْغَيْثُ فِي أَحْوَجِ الْأَوْقَاتِ إِلَيْهِ. وَكَمَا إِذَا وَقَعَ الْفَرَجُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَلِيقُ بِهِ.

وَمَنْ تَأَمَّلَ أَقْدَارَ الرَّبِّ تَعَالَى، وَجَرَيَانَهَا فِي الْخَلْقِ: عَلِمَ أَنَّهَا وَاقِعَةٌ فِي أَلْيَقِ الْأَوْقَاتِ بِهَا.

فَبَعَثَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مُوسَى: أَحْوَجَ مَا كَانَ النَّاسُ إِلَى بِعْثَتِهِ. وَبَعَثَ عِيسَى كَذَلِكَ. وَبَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ: أَحْوَجَ مَا كَانَ أَهْلُ الْأَرْضِ إِلَى إِرْسَالِهِ. فَهَكَذَا وَقْتُ الْعَبْدِ مَعَ اللَّهِ يُعَمِّرُهُ بِأَنْفَعِ الْأَشْيَاءِ لَهُ: أَحْوَجَ مَا كَانَ إِلَى عِمَارَتِهِ.

قَوْلُهُ " الْوَقْتُ: ظَرْفُ الْكَوْنِ " الْوَقْتُ: عِبَارَةٌ عَنْ مُقَارَبَةِ حَادِثٍ لِحَادِثٍ عِنْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>