للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب السابع: أثر هذه الأعمال القلبية على عبادة الخشوع في الصلاة، وفيه عدة مسائل]

[المسألة الأولى: إذا أحب العبد ربه أحب أن يلتقي به في كل وقت، وقدر الموقف بين يديه فهاب أن ينصرف عنه بقلبه ووجهه.]

فإذا أحب العبد ربه أحب لقاءه في كل وقت، وقدّر موقفه بين يديه في صلاته حق قدره، وأعد نفسه وهيئها لذلك الموقف العظيم.

ومن أعظم المواقف التي يقف فيها العبد بين يدي ربه في هذه الدنيا موقفه في الصلاة، ولذا فهو يحب ربه ويحب لقاءه، وهو أيضاً يهاب من أن ينصرف عنه في صلاته بوجهه وقلبه، فيزيد ذلك من خشوعه، فيقبل على الله في صلاته بقلبه ووجهه، ويجاهد نفسه في ذلك لينال تلك الجائزة العظيمة، ويفوز الفوز العظيم بجنة النعيم، يقول صلى الله عليه وسلم: " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ، فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ مُقْبِلٌ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ" (١).

لأنه إذا أحب العبد ربه أحب لقاءه في صلاته، واستشعر عظمة الموقف بين يديه في أعظم مقام يقفه في هذه الحياة الدنيا وهو موقفه في الصلاة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «الصَّلَاةُ قُرْبَانٌ، إِنَّمَا مَثَلُ الصَّلَاةِ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَرَادَ مِنْ إِمَامٍ حَاجَةً فَأَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً، إِذَا قَامَ الرَّجُلُ إِلَى الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ فِي مَقَامٍ عَظِيمٍ، وَاقِفٌ فِيهِ عَلَى اللَّهِ يُنَاجِيهِ وَيَرْضَاهُ، قَائِمًا بَيْنَ يَدَيِ الرَّحْمَنِ، يَسْمَعُ لِقِيلِهِ، وَيَرَى عَمَلَهُ، وَيَعْلَمُ مَا يُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ، فَلْيُقْبِلْ عَلَى اللَّهِ بِقَلْبِهِ وَجَسَدِهِ، ثُمَّ لِيَرْمِ بِبَصَرِهِ قَصْدَ وَجْهِهِ خَاشِعًا، أَوْ لِيَخْفِضْهُ فَهُوَ أَقَلُّ لِسَهْوِهِ، وَلَا يَلْتَفِتْ وَلَا يُحَرِّكْ شَيْئًا بِيَدِهِ وَلَا بِرِجْلَيْهِ، وَلَا شَيْءٍ مِنْ جَوَارِحِهِ حَتَّى يَفْرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ، وَلْيُبْشِرْ مَنْ فَعَلَ هَذَا، وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ» (٢).

وعن مجاهد رحمه الله، قال في معنى قوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: ٢٣٨]: "فمن القنوت الركود والخشوع، وغض البصر، وخفض الجناح من رهبة الله عز وجل،


(١) أخرجه مسلم (١/ ٢٠٩) ح (٢٣٤).
(٢) تعظيم قدر الصلاة لمحمد بن نصر المروزي (١/ ١٨٥).

<<  <   >  >>