للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثالث: من آثار عمل القلب على صلاة العبد، وفيه مطالب.]

[المطلب الأول: وجود لذة عبادة الصلاة وحلاوتها، وطمأنينة القلب بها]

قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: ٢٨]، والصلاة يجتمع فيها كل أنواع ذكر الله.

قال عنها -صلى الله عليه وسلم-: «يَا بِلَالُ، أَقِمِ الصَّلَاةَ أَرِحْنَا بِهَا» (١)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ» (٢).

وقال ابن حجر رحمه الله عن الصلاة: "ولا شيء أقر لعين العبد منها، ولهذا جاء في حديث أنس المرفوع: «وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ» أخرجه النسائي وغيره بسند صحيح، ومن كانت قرة عينه في شيء، فإنه يود أن لا يفارقه، ولا يخرج منه؛ لأن فيه نعيمَه، وبه تطيب حياته، وإنما يحصل ذلك للعابد بالمصابرة على النصب، فإن السالك غرضُ الآفات والفتور" (٣).

والمعنى والله أعلم: أنه لا تحصل قرة العين في الصلاة إلا بمجاهدة النفس على الخشوع فيها وحضور القلب وإقباله عليها، وذلك يحتاج إلى كبير مجاهدة مع الاستمرار وعدم الانقطاع، وبذلك يحصل المسلم على التلذذ بالصلاة، وأن تكون راحة وقرة عين له.

وقال بعض السلف رحمه الله: "كابدت (٤) الصلاة عشرين سنة، وتنعمت بها عشرين سنة" (٥).


(١) أخرجه أبو داود (٤/ ٢٩٦) ح (٤٩٨٥)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (٢/ ١٣٠٧) ح (٧٨٩٢)، وقال شعيب الأرناؤوط في تحقيقه لسنن أبي داود (٧/ ٣٣٨) ح (٤٩٨٥) "إسناده صحيح".
(٢) أخرجه أحمد (٢١/ ٤٣٣) ح (١٤٠٣٧)، والنسائي (٧/ ٦١) ح (٣٩٤٠)، والحاكم (٢/ ١٧٤) ح (٢٦٧٦) وصححه ووافقه الذهبي، وصحح إسناده ابن حجر في الفتح (١١/ ٣٤٥)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (١/ ٥٩٩) ح (٣١٢٤).
(٣) فتح الباري (١١/ ٣٤٥).
(٤) والمكابدة من كابد الأمر إذا قاساه بمشقة. ينظر: الصحاح (٢/ ٥٣٠)، مقاييس اللغة (٥/ ١٥٣)، لسان العرب (٣/ ٣٧٦) مادة (كبد). أي: بمعنى: جاهد نفسه على بذل أسباب الخشوع فيها.
(٥) ذكره في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (٢/ ٣٢١)، وسير أعلام النبلاء (٥/ ٢٢٤) عن ثابت البناني رحمه الله.

<<  <   >  >>