للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن الأسباب التي تجعل القلب يقبل على الله في الصلاة ويخشع، أن يفرغه العبد في صلاته لله تعالى، كما في حديث عَمْرِو بْن عَبَسَةَ السُّلَمِيِّ في فضل الوضوء قال في آخره عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «فَإِنْ هُوَ قَامَ فَصَلَّى، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَمَجَّدَهُ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ، وَفَرَّغَ قَلْبَهُ لِلَّهِ، إِلَّا انْصَرَفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» (١).

وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «وفرغ قلبه لله» أي: جعله حاضرًا لله، وفرغه من الأشغال الدنيوية (٢).

وهذا هو الخشوع أي: حضور القلب بين يدي الله في الصلاة، فإذا فرغ قلبه لله في صلاته حصل على هذا المكسب العظيم: "إِلَّا انْصَرَفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ".

وتفريغ القلب لله في الصلاة ليس بالأمر الهين، وإنما يحتاج إلى جهد عظيم مستمر، ومجاهدة كبيرة لتفريغه من الأشغال الدنيوية التي تنشغل بها النفس ويشغلها بها الشيطان، فعن حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ دَعَا بِوَضُوءٍ،، ثم ذكر صفة وضوء النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَتَوَضَّأُ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، وَقَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» (٣).

ومن جاهد نفسه لله في صلاته على ألا يحدث نفسه بأمور الدنيا، وفرغ قلبه لله في صلاته، وشعر بعظمة المناجاة، وصبر على المجاهدة ظفر بالخشوع وحلاوة الصلاة، وقد وعد الله بالإعانة لمن يجاهدون أنفسهم لله ويصبرون على ذلك ويستمرون، فيعينهم الله ويرزقهم الخشوع، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: ٦٩].

والآية عامة في كل من جاهد في طلب أمر من أمور الخير، فإن الله يهديه إليه، "وروي عن ابن عباس: والذين جاهدوا في طاعتنا لنهدينهم سبل ثوابنا" (٤).


(١) أخرجه مسلم (١/ ٥٧٠) ح (٨٣٢).
(٢) ينظر: مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (٣/ ٤٦١)، المفاتيح في شرح المصابيح (٢/ ٢١٢).
(٣) أخرجه البخاري (١/ ٤٤) ح (١٦٤)، ومسلم (١/ ٢٠٤) ح (٢٢٦).
(٤) تفسير البغوي (٦/ ٢٥٦).

<<  <   >  >>