وبهذا التفصيل يزول الاشتباه، ويتبيَّن الصواب من غيره. وكلُّ من له علم بأحوال السلف يعلم قطعًا أنهم برآء من القراءة بألحان الموسيقى المتكلَّفة التي هي على إيقاعات وحركات موزونة معدودة محدودة، وأنهم أتقى لله من أن يقرؤوا بها أو يسوِّغوها؛ ويعلمُ قطعًا أنهم كانوا يقرؤون بالتحزين والتطريب، ويحسِّنون أصواتهم بالقرآن، ويقرؤونه بشجًى تارةً، وبطرب تارةً، وبشوق تارةً. وهذا أمر في الطباع تقاضيه، ولم ينه عنه الشارعُ مع شدَّة تقاضي الطباع له، بل أرشد إليه، وندب إليه، وأخبر عن استماع الله لمن قرأ به، وقال:«ليس منَّا من لم يتغنَّ بالقرآن». وفيه وجهان، أحدهما: أنه إخبار بالواقع، أي كلُّنا نفعله. والثاني: أنه نفيٌ لهَدْيِ من لم يفعله عن هَدْيه وطريقته. والله أعلم" انتهى المقصود من كلام ابن القيم رحمه الله.
ومن هديه -صلى الله عليه وسلم-: عدم العجلة في ختمه في أقل من ثلاثة أيام؛ لأجل والله أعلم الحرص على تدبره وفهم المقصود منه والعمل به، فقال -صلى الله عليه وسلم-: «لَا يَفْقَهُهُ مَنْ يَقْرَؤُهُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ»(١).
(١) أخرجه أحمد (١١/ ١٠٤) ح (٦٥٤٦) واللفظ له، وقال محقق المسند: «إسناده صحيح على شرط الشيخين»، ومسند الدرامي (٢/ ٩٣٦) ح (١٥٣٤) وقال محققه: "إسناده صحيح"، وأبو داود (٢/ ٥٤) ح (١٣٩٠)، وابن ماجه (١/ ٤٢٨) ح (١٣٤٧)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (١/ ٢٥٦) ح (١١٥٧).