في مؤخر المسجد، مقبلان إلى الإمام، فيحرم الإمام، وهما ينحدّثان، وهذا من المكروه البيّن، لأنه لهو، عما يقصدانه من الصّلاة، وإعراض عنه، وقال الإمام مالك في حقّ مَنْ يفعل هذا:((أرى أن يتركا الكلام، إذا أحرم الإمام)) (٥) .
وبهذه المناسبة، نقول: إن الإسلام لم يمنع الكلام المباح، ما لم يكن فيه تشويش على المتعبدين، في المسجد، ولكن على أن لا يكون فيه إعراض عن الصلاة، أو تشاغل عنها، كما في المسئلة السابقة، وما يروى من الأحاديث في المنع من الكلام، من مثل:((الكلام المباح في
المسجد، يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب)) فلا أصل له (١) .
وثبت عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ أنهم كانوا يتكلون على مسمعٍ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أمور الجاهلية، فيضحكون، ويبتسم - صلى الله عليه وسلم -، وفي هذا مشروعية التحدث بالحديث المباح في المسجد، وبأمور الدنيا وغيرها من المباحات، وإن حصل ما فيه ضحك وغيره ونحوه، ما دام مباحاً (٢) .
عن سماك بن حرب قال: قلتُ لجابر بن سمرة: أكنتَ تجالس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم، كثيراً، كان لا يقوم من مُصلاّه، الذي يصلّي فيه الصبح أو الغداة، حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمسُ، قام، وكانوا يتحدّثون، فيأخذون في أمر الجاهلية، فيضحكون، ويبتسّم (٣) .