أنه يستحب أن يصلي العشاء بهذه السور وأمثالها. فأيُّ متعلّق في هذا للنقّارين وسرّاق الصلاة؟ ومن المعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يؤخر العشاء الآخرة، وبُعْدُ ما بين بني عمرو بن عوف وبين المسجد، ثم طول سورة البقرة، فهذا الذي أنكره النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو موضع الإِنكار، وعليه يحمل الحديث الآخر:((يا أيها الناس إن منكم منفرين)) ، ومعلوم أن الناس لم يكونوا ينفرون من صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا ممن يصلي بقدر صلاته، وإنما ينفرون
ممن يزيد في الطول على صلاته، فهذا الذي ينفر.
وأما إن قدر نفور كثير ممن لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى، وكثير من الباطولية الذين يعتادون النقر، كصلاة المنافقين، وليس لهم في الصلاة ذوق، ولا لهم فيها راحة، بل يصلّيها أحدهم استراحة منها لا بها، فهؤلاء لا عبرة بنقورهم، فإن أحدهم يقف بين يدي المخلوق معظم اليوم، ويسعى في خدمته أعظم السعي، فلا يشكو طول ذلك ولا يتبرّم به، فإذا وقف بين يدي ربه في خدمته جزءاً يسيراً من الزّمان، وهو أقلّ القليل بالنسبة إلى وقوفه في خدمة المخلوق، استثقل ذلك
الوقوف، واستطال وشكا منه، وكأنه واقف على الجمر يتلوّى ويتقلّى، ومن كانت هذه كراهته لخدمة ربه، والوقوف بين يديه، فالله تعالى أكره لهذه الخدمة منه (١) .
والحاصل: إن الإيجاز والتخفيف المأمور به، والتطويل المنهي عنه، لا يمكن أن يرجع فيه إلى عادة طائفة وأهل بلد وأهل مذهب، ولا إلى شهوة المأمومين ورضاهم، ولا إلى اجتهاد الأئمة الذين يصلّون بالناس ورأيهم في ذلك، فإن ذلك لا ينضبط، وتضطرب فيه الآراء والإرادات أعظم اضطراب، ويفسد وضع الصّلاة، ويصير مقدارها تبعاً لشهوة الناس.
ومثل هذا لا تأتي به شريعة، بل المرجع في ذلك والتحاكم إلى ما كان يفعله - صلى الله عليه وسلم -، وكان يصلي وراءه الضعيف والكبير والصغير وذو الحاجة، ولم يكن بالمدينة إمام غيره صلوات الله وسلامه عليه.
ففي صلاة الفجر: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ ما بين الستين إلى المائة في