إنهم قد اتفقوا على هذه المصافحة ليس لها أصل في الشرع، ثم اختلفوا في الكراهة والإباحة، والأمر إذا دار بين الكراهة الإباحة، ينبغي الإفتاء بالمنع فيه، لإن دفع مضرّة أولى من جلب مصلحة، فكيف لايكون أولى من فعل أمر مباح، على أن المصافحين في زماننا يظنونه أمراً حسناً، ويشنعون على مانعه تشنيعاً بليغاً، ويصرون عليه إصراراً شديداً، وقد مر أن الإِصرار على المندوب يبلغه إلى حدّ الكراهة، فكيف إصرار البدعية التي لا أصل لها في الشرع،
وعلى هذا فلا شك في الكراهة، وهذا هو غرض مَنْ أفتى بالكراهة، مع أن الكراهة إنما نقلها مِنْ نقلها مِنْ عبارات المتقدمين والمفتين، فلا يوازيها روايات مثل صاحب ((جمع البركات)) و ((السراج المنير)) و ((مطالب المؤمنين)) من تساهل مصنفيها في تحقيق الروايات، أمر مشهود وجمعهم كل رطب ويابس، معلوم عند الجمهور.
والعجب من صاحب ((خزانة الرواية)) حيث قال فيها في عقد اللآليء، قال عليه السلام:((صافحوا بعد صلاة الفجر، يكتب الله لكم بها عشراً)) وقال عليه الصلاة والسلام: ((صافحوا بعد العصر، تؤجروا بالرحمة والغفران)) ولم يتفطن أن هذين الحديثين وأمثالهما موضوعان، وضعهما المصافحون، فإنا لله وإنا إليه راجعون)) (١) .
[٣/٤٨] وأخيراً، لابد من التنبيه على أنه لا يجوز للمسلم أن يقطع تسبيح أخيه المسلم، إلا بسبب شرعي، وما نشاهده من تأذي كثير من المسلمين، عند قيامهم بالأذكار المسنونة بعد الصلوات المكتوبات، عندما يفاجأون بأيدٍ تمدّ لمصافحتهم عن اليمين وعن الشمال وبكثرة، مما يصطرهم إلى التضجر والتأذي، لا من أجل المصافحة، بل من أجل قطع تسبيحهم وإشغالهم عن ذكر الله بهذه المصافحة، التي لا سبب لها من لقاء ونحوه، وإذا كان الأمر كذلك، فليس من الحكمة أن تنزع يديك من يدي جارك، وأن ترد اليد التي مدّت إليك، فإن
هذا جفاء، لا يعرفه الإسلام، بل تأخذ بيده برفق ولين، وتبّين له بدعية هذه المصافحة، التي أحدثها الناس، فكم من رجل اتّعظ بالموعظة، وكان أهلاً للنصيحة، وإنما أوقعه الجهل في مخالفة السنة، فعلى أهل العلم وطلاّبه البيان