للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ففعل سلمة ما ترى، اقتداء بسيد الورى، لأنه هو أعلم وأدرى بالذي هو أولى وأحرى.

ودل الحديث على أنه ينبغي مزيد التأسي بالنبي - صلى الله عليه وسلم - حتى في الأزمنة والأمكنة، التي كان يتحرى وقوع العبادة فيها، واستحباب تتبع آثاره - صلى الله عليه وسلم -.

والأسطوانة المذكورة، قال فيها ابن حجر: ((حقق لنا بعض مشايخنا أنها المتوسطة في الروضة المكرمة، وأنها تعرف بأسطوانة المهاجرين. قال: وروى عن عائشة أنها كانت تقول: ((لو عرفها الناس لاضطربوا عليها بالسّهام)) وأنها أسرّتها إلى ابن الزّبير، فكان يكثر الصلاة عندها. ثم وجدتُ ذلك في ((تاريخ المدينة)) لابن النجار.

وزاد: ((إن المهاجرين من قريش كانوا يجتمعون عندها)) وذكره قبله محمد بن الحسن في ((أخبار المدينة)) (١) .

وقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث السابق: ((وأن يوطن الرجل المكان في المسجد، كما يوطن البعير)) .

معناه: لا ينبغي للرجل أن يتخذ لنفسه مكاناً خاصاً من المسجد، لا يصلي إلا فيه، كالبعير لا يبرك إلا في مبرك اعتاده (٢) .

قال صاحب ((كشاف القناع)) : ((ويكره اتخاذ غير الإمام مكاناً بالمسجد، لا يصلّي فرضه إلا فيه، لنهيه - صلى الله عليه وسلم -


(١) ١ (فتح الباري: (١/٥٧٧) .
وذكر السفاريني في ((شرح ثلاثيات المسند)) : (٢/٧٨٣) أنه عندما حج في عام ثمانية وأربعين ومئة وألف، قصد الصلاة عند هذه الأسطوانة، فوجد عليها محراباً، ليزيدها ذلك وضوحاً وإعراباً، غير أنهم قد أخّروه عما كان، فسأل الشيخ محمد حياة السندي عن ذلك، فقال: أعلم أنهم قد أخّروا البنيان عن هيئته ليكون خط المصلي

أن يكون موضع جبهته محلَ القدمين الشريفين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسأله: وما جعلوا لذلك علماً لإصابة المكان المعتبر؟ فقال: بلى أن تجعل رمّانة كتفك، محاذاة لرمّانة المنبر، وختم السفاريني- رحمه الله –بقوله: ((فحصل لنا بذلك من الفرح والسرور، ما لا يدخل تحت عبارة، ولا تشرحه إشارة)) .
(٢) ٢ (انظر: ((تهذيب سنن أبي داود)) : (١/٤٠٨) لابن القيم.

<<  <   >  >>