يجدر بنا أن نبين تأثيرها فى (القسم الثانى) من الكتب، أى المؤلفات التى تقع بين العلم المحض والأدب المحض، وتأخذ من هذا ومن ذاك لتكوّن فنّا متوسطا يتّصل بالعلم بقدر ما يتصل بالأدب. وإنه ليجب علينا، ليفى الموضوع حقّه، ألّا ننسى أن الفلاسفة والمتكلمين التفتوا إلى مذاهب الفلكيين لما وجدوا فيها من آراء تبعثهم على التأمل فى خلق العالم، فأدخلوا المسائل الفلكية فى مناقشاتهم ومجادلاتهم الكلامية.
وزيادة على ذلك، أثرت المذاهب الفلكية فى فن آخر- نعنى الجغرافيا- تأثيرا أقوى؛ فان جميع أصحاب المؤلفات الجغرافية، أو على الأقل معظمهم أبوا إلا أن يفتحوا بابا خاصا بصورة العالم حسب التصورات المعاصرة، فتوغلوا فى علم التقويم والأطوال والأعراض، معتمدين على نظريات الفلكيين، آخذين بأقوال سلفهم فى هذا الشأن، لأنهم قلّما نظروا بأنفسهم فى علم لا يخلو من صعوبة على عامة الأدباء. فتجد الفصل المذكور حتى فى الكتب الرامية إلى وصف البلدان والممالك والمسالك، فضلا عن المؤلفات التى قد اكتسبت أصحابها من علم الهيئة نصيبا لا بأس به، كالبلخى والبيرونى. ثم تلفى أيضا مادة علمية فى الموسوعات المحتوية على جميع المعارف والعلوم الواجب اكتسابها على من تقدّم إلى خدمة السلطان مثلا مسالك الأبصار لابن فضل الله العمرى- كما تجدها فى تآليف رجال منسوبين إلى الصوفية يجتهدون فى وصف ما خلقه الله ويعتبرون العالم بأسره مظهرا من مظاهر فضل الله على عباده ونعمته عليهم. فأحسن ممثّل لهذا الفن هو القزوينى (م ٦٨٢) الذى يقول فى مقدمة كتابه «عجائب البلدان»(ص ٥- ٦)