أما ما يختص بمؤلفنا ابن قتيبة، فلم يكن منجما من أصحاب الحساب ليشتغل بدقائق الرياضيات الفلكية؛ ولا نباتيا ولا موظفا فى ديوان الخراج يعنى بما يعنى به أصحاب الفلاحة والرعى من الحضر والبدو.
أما مسائل الفقه، فقد ألف فيه كتابا خاصا، سمّاه «كتاب الصيام»(كما ذكر فى فقرة «١٤٧» من كتابه هذا) . فلم يبق له إلا مبادئ علم مناظر النجوم التى فيها ما يفيد الطلاب المبتدئين والعوام المتثقفين الذين يريدون أن يعرفوا شيأ من كل شىء بدون أن يغوصوا إلى غوامض الفن ودقائق العلم مع ما فيها من الاختلاف والنزاع فيما بين المتخصصين به.
لم يصل إلينا مع الأسف كتب من سبقه، فنعرف نشأة العلم العربى عن الأنواء وتطوّره منذ أول عهده إلى عصر ابن قتيبة.
ولا يقارن تأليف ابن قتيبة أيضا بكتب الهند والفرس واليونان والقبط وغيرهم، فيطول البحث إلا أننا نعجب من أن ابن قتيبة لا يذكر بتاتا الأوهام والخرافات التى لا بد منها فى ذكر النجوم والأجرام الفلكية عند سائر الامم القديمة. فكتاب ابن قتيبة علم محض، ولو كان بسيطا لا يشتمل إلا على المبادئ.
ولا يجدر بنا أن نقارن كتاب ابن قتيبة بكتب المتأخرين أيضا لأسباب: الأول منها أنه لم يصل إلينا الكثير منها؛ وثانيا أن المقارنة تليق بين كتابين فى نفس الموضوع، فابن قتيبة يؤلف لطلاب مبادئ هذا العلم بوجه عام، وكتب غيره، التى وصلت إلينا، تعنى بموضوعات خاصة.