إنّ جميع منتجات الفكر العربى، التى ذكرناها إلى الآن، تستفيد قليلا أو كثيرا من أبحاث الفلكيين. وكأن بعضها يعمّم أسهل المعلومات وأقربها إلى أذهان الناس. وينشر فى طبقات أوسع من الدوائر المختصة جملة من المعارف يتوارثها خلف عن سلف. ولكن العامة ما تبرح، على اختلاف الأجيال والبلدان، تتمسك بالماضى. وينضم إليها فى هذا الشأن عدد غير قليل من المثقفين المحافظين، الذين لا يقبلون «البدع» إلا بطول المدة، ويقولون (حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا) فماذا كان عليه آباؤهم؟
لقد سبق أن قلنا إن الأعراب فى صحاريهم يستدلون بالشمس والقمر والنجوم، فسمّوا أعظمها وأشدها نورا بأسماء عادية مأخوذة من الحياة اليومية. وتداولت بينهم معرفتها منذ أقدم الزمان. ثم لاحظوا أن بعض النجوم تطلع أو تسقط، ويحدث مع طلوعها أو سقوطها حوادث تمّس الحياة البدوية من نتاج المواشى ومعالجة النخيل وهطول المطر إلى غير ذلك، مما يهتم به البدوى أشد الاهتمام؛ فشاهدوا أن تلك النجوم الخاصة تتقارن اثنين اثنين، حتى يطلع أحدها فى المشرق غداة حينما يسقط أخوه فى المغرب؛ فسمّوا الطالع «رقيبا» ، كأنه يرقب سقوط الآخر؛ وسمّوا الساقط «نوءا» ، من «ناء» . «وإنما قيل باء، إذا سقط. لأنه يميل، والميل هو النوء، ومعنى قول الله عزّ وجلّ [سورة القصص ٢٨- ٧٦] : لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ
أى لتميل بها من ثقلها» (فقرة «١١» من متن هذا الكتاب على صفحة ٧) .