للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= والأشعري، وابن الباقلاني، وغير واحد من هؤلاء، وقد وافقهم على ذلك طوائف كثيرون من أصناف العلماء، من أتباع الأئمة الأربعة، وأهل الحديث والصوفية، وغيرهم، وهؤلاء يقولون: إنه بذاته فوق العرش، وليس بجسم، ولا هو محدود ولا متناه.
ومنهم من يقول: هو نفسه فوق العرش، وإن كان موصوفاً بقدر له لا يعلمه غيره. ثم من هؤلاء من لا يجوز عليه مماسة العرش، ومنهم من يجوز ذلك. وهذا قول أئمة أهل الحديث والسنة. انظر الدرء ٦/ ٢٨٨. وقال شيخ الإسلام أيضاً (كونه فوق العرش ثبت بالشرع المتواتر وإجماع سلف الأمة مع دلالة العقل ضرورة ونظراً أنه خارج العالم، فلا يخلو مع ذلك: إما أن يلزم أن يكون مماسُّا أو مباينًا، أو لا يلزم. فإن لزم أحدهما كان ذلك لازمًا للحق، ولازمُ الحق حق، وليس في مماسته للعرش ونحوه محذور كما في مماسته لكل مخلوق من النجاسات والشياطين وغير ذلك؛ فإن تنزيهه عن ذلك إنما أثبتناه لوجوب بُعد الأشياء عنه، ولكونها ملعونة مطرودة، لم نثبته لاستحالة المماسة عليه، وتلك الأدلة منتفية في مماسته للعرش ونحوه، كما روى في مس آدم وغيره وإن كان لم يرد هذا المعنى في غير آدام [قلت: لعله - رحمه الله - يقصد ماورد في خلق آدم، وأن الله خلقه بيده لما روى البخاري وغيره في قصة تحاجّ آدم وموسى وفيه (أنت آدم الذي خلقك الله بيده). أخرجه البخاري في كتاب التوحيد حديث ٧٥١٦ ومسلم في القدر حديث ٢٦٥٢].، وهذا جواب جمهور أهل الحديث وكثير من أهل الكلام. وإن لم يلزم من كونه فوق العرش أن يكون مماسًّا أو مباينًا فقد اندفع السؤال.
فهذا الجواب هنا قاطع من غير حاجة إلى تغيير القول الصحيح في هذا المقام، وبين من قال: إنه فوق العرش، ليس بمباين له ولا مماس كما يقوله بعض الكلابية والأشعرية، ومن اتبعهم من أهل الفقه والحديث والتصوف والحنبلية وغيرهم، إن كان قولهم حقًا فلا كلام، وإن كان باطلاً (فليس ظهور بطلانه موجوداً قائماً بنفسه، مع وجود قائم بنفسه أنه فيه ليس بمماس ولا مباين له، وأنه ليس هو فيه ولا هو خارجًا عنه]. فهذه النقول تدل دلالة واضحة على أن منهج السلف منع استعمال هذا اللفظ لمافيه من التعمق في شأن الكيفية، ومن عادة السلف أنهم عند تقريرهم لصفة الاستواء ولسائر الصفات لايتعمقون في شأن الكيفية ويكلون علم ذلك لله عز وجل. وبناء على ماتقدم من أقوال الأئمة يتضح حرص السلف على عدم الخوض في شأن الكيفية، وبذلك منعوا استعمال لفظ (المماسة) في هذه المسألة لهذا السبب. والابتعاد عن مثل هذه المسائل التي لم ترد نفياً ولا إثباتًا بل يسيرون على المنهج القويم والقاعدة الجليلة بالابتعاد عن وصف الله بغير ما وصف به نفسه أو وصفه به -صلى الله عليه وسلم- وإنما يلجأون إلى ذلك ضرورة عندما يحتاج الأمر إلى استفصال أما ابتداءً فلا يتطرقون إليها البتة.

<<  <   >  >>