المعنى الأول: فقد يُرادُ بها لَفَظَ يَلْفِظُ لَفْظاً، ومسمَّى هذا فعل العبد مخلوق، ولا منازع في ذلك، وهو ممَّا عُلِمَ فساد ضدَّه بالضرورة، وبناء على هذا، فيكون اللفظ غير الملفوظ، والتلاوة غير المتلو، والقراءة غير المقروء، أي: أن الاسم غير المسمَّى انظر مجموع الفتاوى ١٢/ ١٦٦؛ لأن فعل العبد وحركاته، مخلوقة باتفاق السلف، وهذه الأفعال والحركات ليست قديمة، بل هي خلق من خلق الله. المعنى الثاني: وقد يُرادُ باللفظ: القول الذي يلفظ به اللافظ، وذلك كلام الله لا كلام القارئ، فمن قال: إنه مخلوق، فقد قال: إنَّ الله لم يتكلم بهذا القرآن، وإن هذا الذي يقرؤه المسلمون ليس هو كلام الله ومعلوم أنَّ هذا مخالف لما عُلِمَ بالاضطرار من دين الرسول صلى الله عليه وسلم (مجموع الفتاوى ١٢/ ١٤). فإذا أراد اللفظ بهذا المعنى التلاوة والقراءة بأنها نفس القرآن الذي هو كلام الله فهذا يقتضي بأن كلام الله مخلوق فهذا جهمي ولذا رد الإمام أحمد وسائر أئمة السنة المتقدمين منهم والمتأخرين؛ فمن قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال غير مخلوق، فهو مبتدع. انظر مجموع الفتاوى ١٢/ ٤٣٢، أما صوت العبد فلم يحدث بينهم نزاع في كونه مخلوقاً والسبب الذي جعل الأئمة يردون هاتين المقالتين فقد جلاها ابن حجر بقوله: بأنهم أرادوا حسم المادة صوناً للقرآن أن يوصف بكونه مخلوقاً، وإذا حقق الأمر عليهم لم يفصح أحد منهم بأن حركة لسانه إذا قرأ قديمة. انظر فتح الباري ١٥/ ٤٦٥، وأما من نسب للإمام البخاري رحمه الله القول باللفظ، وبأنه قال لفظي بالقرآن مخلوق، فقد توهم وفهم فهماً خاطئاً؛ لأنه نص على أن أصوات العباد مخلوقة بخلاف القرآن المتلو المقروء حيث قال: «حركاتهم - أي العباد - وأصواتهم واكتسابهم وكتاباتهم مخلوقة، فأما القرآن المتلو المبين المثبت في المصحف، المسطور المكتوب الموعي في القلوب فهو كلام الله ليس بخلق، قال الله تعالى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت: ٤٦]، انظر: خلق أفعال العباد ٢/ ٧٠. ففرق - رحمه الله - بين القراءة والتلاوة التي هي من فعل العبد وبين المتلو والمقروء الذي هو كلام الله حقيقة. وللمزيد انظر: مسائل الإمام أحمد لأبي داود ص ٢٦٥، ودرء التعارض ١/ ٢٦٠، ومجموع الفتاوى ١٢/ ٢٠٦.