أنؤوّل) المشكل (أم نفوّض) معناه المراد إليه تعالى. (منزّهين له) عن ظاهره، (مع اتفاقهم على أن جهلنا بتفصيله لا يقدح) في اعتقادنا المراد منه مجملاً، والتفويض مذهب السلف وهو أسلم، والتأويل مذهب الخلف وهو أعلم أي أحوج إلى مزيد علم، وكثيرا ما يقال بدل أعلم أحكم أي أكثر إحكاما أي إتقانا فيؤوّل في الآيات الاستواء بالاستيلاء والوجه بالذات واليد بالقدرة، والحديث من باب التمثيل المذكور في علم البيان نحو أراك تقدّم رجلاً وتؤخر أخرى، يقال للمتردّد في أمر تشبيها له بمن يفعل ذلك لإقدامه وإحجامه، فالمراد منه والظرف فبه خير كالجار والمجرور أن قلوب العباد كلها بالنسبة إلى قدرته تعالى شيء يسير يصرفه كيف شاء، كما يقلب الواحد من عباده اليسير بين أصبعين من أصابعه. (القرآن النفسي) أي القائم بالنفس (غير مخلوق) وهو مع ذلك أيضا (مكتوب في مصاحفنا) ، بأشكال الكتابة وصور الحروف الدالة عليه (محفوظ في صدورنا) بألفاظه المخيلة. (مقروء بألسنتنا) بحروفه الملفوظة المسموعة (على الحقيقة) لا المجاز في الأوصاف الثلاثة أي يصحّ أن يطلق على القرآن حقيقة أنه مكتوب محفوظ مقروء واتصافه بهذه الثلاثة، وبأنه غير مخلوق أي موجود أزلاً وأبدا اتصاف له باعتبار وجودات الموجود الأربعة، فإن لكلّ موجود وجودا في الخارج، ووجودا في الذهن، ووجودا في العبارة، ووجودا في الكتابة فهي تدل على العبارة وهي على ما في الذهن وهو على ما في الخارج، وخرج بالنفسي اللساني فتعبيري به أولى من تعبيره بالكلام، لأنه كالقرآن مشترك بين النفسي واللساني، فلا يخرج
اللساني. (يثيب) الله تعالى عباده المكلفين (على الطاعة) فضلاً (ويعاقبـ) ـهم (إلا أن يعفو يغفر غير الشرك على المعصية) عدلاً لاخباره بذلك قال تعالى {فأما من طغى* وآثر الحياة الدنيا* فإن الجحيم هي المأوي* وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى* فإن الجنة هي المأوي} . {إنّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}(وله) تعالى (إثابة العاصي وتعذيب المطيع وإيلام الدواب والأطفال) لأنهم ملكه يتصرف
فيهم كيف يشاء لكن لا يقع منه ذلك لإخباره بإثابة المطيع وتعذيب العاصي كما مرّ ولم يرد إيلام الأخيرين في غير قود والأصل عدمه أما في القود فقال صلى الله عليه وسلّم «لتؤدّنّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء» . رواه مسلم. وقال «يقتصّ للخلق بعضهم من بعض حتى للجماء من القرناء وحتى للذرّة من الذرّة» . رواه الإمام أحمد بسند صحيح، وقضية الخبرين أن لا يتوقف القود يوم القيامة على التكليف، فيقع الإيلام بالقود في الأخيرين. (ويستحيل وصفه) تعالى (بالظلم) لأنه مالك الأمور على الإطلاق يفعل ما يشاء فلا ظلم في التعذيب، والإيلام المذكورين لو فرض وقوعهما (يراه) تعالى (المؤمنون في الآخرة) قبل دخول الجنة وبعده، كما ثبت في أخبار الصحيحين الموافقة لقوله تعالى وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} والمخصصة لقوله تعالى {لا تدركه الأبصار} أي لا تراه منها خبر أبي هريرة «أن الناس قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم هل تضارّون في القمر ليلة البدر. قالوا لا يا رسول الله. قال فإنكم ترونه كذلك الخ» . وفيه أن ذلك قبل دخول الجنة، وقوله تضارُّون بتشديد الراء من الضرار وتخفيفها من الضير أي الضرر، وخبر صهيب في مسلم أنه صلى الله عليه وسلّم قال «إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى تريدون شيئا أزيدكم فيقولون ألم تبيض وجوهنا، ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار، فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم» . وفي رواية ثم تلا هذه الآية {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} أي فالحسنى الجنة