ويجامع قبيل الفجر بحجة أنه جامع قبل النوم ناسب ذلك أنه يحرم كونه جنباً عند طلوع الفجر ليضطر من يريد الجماع ممن يسهر إلى أن يقدمه قبل الفجر بمدة تتسع له وللغسل بعده فيحصل بذلك المقصود من طول الفصل، وهذا هو مقتضى حديث أبي هريرة، وشاهد رابع وهو أنا مع علمنا بصدق أبي هريرة وأمانته لو فرضنا جدلاً خلاف ذلك فأي غرض شخصي لأبي هريرة في أن يرتكب الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم ليحمل الناس على ما تضمنه حديثه؟ لا غرض له البتة، وإذاً فلابد أن يكون كان عنده دليل فهم منه ذلك وقد عرفنا أن قلماً يلجاً إلى الاستنباط الدقيق وإنما يتمسك بالنصوص، وقد نص هو على أن دليله هو ذاك الحديث فبان أن الحديث كما عنده، فهذه أربعة شهود على صدق أبي هريرة في هذا الحديث، وفوق ذك ماثبت مندينه وأمانته ودل عليه الكتاب والسنة كما يأتي في فضل عدالة الصحابة شهد به جمع من الصحابة وأجمع عليه أهل العلم، فهذا هو الحق، وماذا بعد الحق إلا الضلال؟
قال أبو رية «فاستشهد ميتاً، وأوهم الناس أنه سمع الحديث من رسول الله صى الله عليه وسلم كما قال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث»
أقول: قد تقدم أن الصحابة كان يأخذ بعضهم عن بعض، ويقول لأحدهم فيما سمعه من أخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم:«قال النبي صلى الله عليه وسلم ... » وكان ذلك يفهم على الاحتمال بدون إيهام لاشتهار عرفهم به قبل عرف المحدثين. وقد أخذ أبو هريرة عن غيره من الصحابة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وعقب وفاته ثم طال عمره حتى كانت قضية هذا الحديث في إمارة على المدينة وذلك في خلافة معاوية، وكان معظم الصحابة قد ماتوا، فما الذي يستغرب من أن يكون مخبر أبي هريرة حديثه هذا، لكن انظر إلى عبارة أبي رية في قوه «فاستشهد ... كما قال ابن قتيبة....»