للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

إياه، واطِّلاعه عليه، وقُربه منه، فإذا استحضرَ العبدُ هذا في عمله، وعَمِلَ عليه، فهو مخلصٌ لله؛ لأنَّ استحضارَهُ ذلك في عمله يمنعُهُ من الالتفاتِ إلى غيرِ الله وإرادته بالعمل.

والثاني: مقام المشاهدة، وهو أنْ يعملَ العبدُ على مقتضى مشاهدته لله تعالى

بقلبه، وهو أنْ يتنوَّرَ القلبُ بالإيمانِ، وتنفُذ البصيرةُ في العِرفان، حتّى يصيرَ الغيبُ كالعيانِ.

وهذا هو حقيقةُ مقامِ الإحسّان المشار إليه في حديث جبريلَ - عليه السلام -، ويتفاوت أهلُ هذا المقام فيه بحسب قوَّة نفوذ البصائرِ.

وقد فسَّر طائفةٌ من العُلماءِ المثل الأعلى المذكورَ في قوله - عز وجل -: {وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض} (١) بهذا المعنى، ومثلُهُ قولُه تعالى:

{اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} (٢)، والمراد: مثل نورِه في قلبِ المؤمن، كذا قال أبيُّ بنُ كعبٍ (٣) وغيرُه مِنَ السَّلَف.

وقد سبق حديث: «أفضلُ الإيمانِ أنْ تعلمَ أنَّ الله معك حيثُ كنت»، وحديث: ما تزكيةُ المرءِ نفسه؟، قال: «أنْ يعلمَ أنَّ الله معه حيثُ

كانَ».

وخرَّج الطبراني (٤) من حديث أبي أُمامةَ، عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: «ثلاثةٌ في ظلِّ الله يومَ القيامةِ يومَ لا ظلَّ إلا ظلُّه: رجلٌ حيثُ توجه عَلِمَ أنَّ الله معه … »، وذكر الحديث.

وقد دلّ القرآنُ على هذا المعنى في مواضِعَ متعدِّدةٍ، كقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} (٥)، وقوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (٦)، وقوله: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ


(١) الروم: ٢٧.
(٢) النور: ٣٥.
(٣) اخرجه: الطبري في " تفسيره " (١٩٧٥٧)، وطبعة التركي ١٧/ ٢٩٨، وابن أبي حاتم في " تفسيره " (٢٥٩٣) و (٢٥٩٤)، وممن قال بهذا المعنى سعيد بن جبير والضحاك.
(٤) في " الكبير " (٧٩٣٥)، وإسناده ضعيف جداً، فيه بشير بن نمير متروك. انظر: مجمع الزوائد ١٠/ ٢٧٩.
(٥) البقرة: ١٨٦.
(٦) الحديد: ٤.

<<  <   >  >>