للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ما يجدُ المطيعونَ لله لذَّةً في الدُّنيا أحلى من الخلوة بمناجاة سيِّدهم (١)، ولا أحسب لهم في الآخرة مِنْ عظيم الثَّواب أكبرَ في صدورهم وألذَّ في قلوبهم مِن النَّظر إليه، ثم غُشي عليه.

وعن إبراهيم بن أدهم، قال: أعلى الدَّرجات أنْ تنقطعَ إلى ربِّك، وتستأنِسَ إليه بقلبِك، وعقلك (٢)، وجميع جوارحك حتى لا ترجُو إلاَّ ربَّك، ولا تخاف إلاَّ ذنبكَ، وترسخ محبته في قلبك حتى لا تُؤْثِرَ عليها شيئاً، فإذا كنت كذلك لم تُبالِ في بَرٍّ كنت، أو في بحرٍ، أو في سَهْلٍ، أو في جبلٍ، وكان شوقُك إلى لقاء الحبيب شوقَ الظمآن إلى الماء البارد، وشوقَ الجائعِ إلى الطَّعام الطيب، ويكونُ ذكر الله عندكَ (٣) أحلى مِنَ العسل، وأحلى من المَاء (٤) العذبِ الصَّافي عند العطشان في اليوم الصَّائف.

وقال الفضيل: طُوبى لمن استوحش مِنَ النَّاسِ، وكان الله جليسَه (٥).

وقال أبو سليمان: لا آنسني الله إلاَّ به أبداً.

وقال معروف لرجلٍ: توكَّل على الله حتّى يكونَ جليسَك وأنيسَك وموضعَ شكواكَ (٦).

وقال ذو النون: مِنْ علامات المحبِّين لله أنْ لا يأنَسُوا بسواه، ولا يستوحشُوا معه، ثم قال: إذا سكنَ القلبَ حبُّ اللهِ تعالى، أنِسَ بالله؛ لأنَّ الله أجلُّ في صُدورِ العارفين أنْ يُحبُّوا سواه.

وكلامُ القوم في هذا الباب يطولُ ذكرُه جداً، وفيما ذكرنا كفايةٌ إنْ شاء الله تعالى.

فمن تأمَّل ما أشرنا إليه ممَّا دلَّ عليه هذا الحديثُ العظيم، علم أنَّ جميعَ العُلوم والمعارف ترجعُ إلى هذا الحديث وتدخل تحته، وأنَّ جميع العلماء من فِرَقِ هذه

الأمَّة


(١) في (ص): «الله - عز وجل -».
(٢) في (ص): «وعينك».
(٣) سقطت من (ص).
(٤) سقطت من (ص).
(٥) أخرجه: أبو نعيم في " الحلية " ٨/ ١٠٨.
(٦) أخرجه: أبو نعيم في " الحلية " ٨/ ٣٦٠.

<<  <   >  >>