للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ومن وصل إلى استحضارِ هذا في حال ذكره الله وعبادته استأنسَ بالله، واستوحش مِنْ خلقه ضرورةً.

قال ثور بن يزيد: قرأتُ في بعضِ الكُتب: أنَّ عيسى - عليه السلام - قال: يا معشر الحواريِّين، كلِّموا الله كثيراً، وكلِّموا الناسَ قليلاً، قالوا: كيف نكلِّمُ الله كثيراً؟ قال: اخلُوا بمناجاته، اخلوا بدُعائه. خرَّجه أبو نعيم (١).

وخرَّج أيضاً (٢) بإسناده عن رياح، قال: كان عندنا رجلٌ يصلِّي كلَّ يومٍ وليلةٍ ألفَ ركعة، حتى أُقعِدَ من رجليه، فكان يصلِّي جالساً ألف ركعة، فإذا صلى العصر، احتبى، فاستقبل القبلةَ، ويقول: عجبتُ للخليقةِ كيف أَنِسَتْ بسواك، بل عجبتُ للخليقة كيف استنارت قلوبها بذكر سواكَ.

وقال أبو أسامة: دخلت على محمد بن النَّضر الحارثيِّ، فرأيتُه كأنَّه منقبضٌ، فقلت: كأنَّك تكره أنْ تُؤتى؟ قال: أجل (٣)، فقلت: أوَما تستوحشُ؟ فقال: كيف أستوحشُ وهو يقولُ: أنا جليسُ مَنْ ذكرني (٤).

وقيل لمالك بنِ مِغْول وهو جالسٌ في بيته وحده: ألا تستوحشُ؟ فقال: ويستوحشُ مع الله أحدٌ؟

وكان حبيب أبو محمد يخلو في بيته، ويقولُ: من لم تَقَرَّ عينُه بكَ، فلا قرَّت

عينُه، ومن لم يأنس بكَ، فلا أنِسَ (٥).

وقال غزوان: إنِّي أصبتُ راحةَ قلبي في مُجالسةِ مَنْ لديه حاجتي.

وقال مسلم بنُ يسار: ما تلذَّذ المتلذِّذونَ بمثلِ الخَلْوةِ بمناجاةِ اللهِ - عز وجل - (٦).

وقال مسلم العابد: لولا الجماعة، ما خرجتُ من بابي أبداً حتّى أموت، وقال:


(١) في " الحلية " ٦/ ١٩٥.
(٢) أبو نعيم في " الحلية " ٦/ ١٩٥.
(٣) في (ص): «نعم».
(٤) أخرجه: البيهقي في " شُعب الإيمان " (٧٠٩).
(٥) زاد بعدها في (ص): «الله به».
(٦) أخرجه: أبو نعيم في " الحلية " ٢/ ٢٩٤.

<<  <   >  >>