للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وكذلك الحجُّ لا يبطله إلا ما نهي عنه في الإحرام، وهو الجماعُ، ولا يبطله ما لا يختصُّ بالإحرام من المحرَّمات (١)، كالقتل والسرقة وشرب الخمر.

وكذلك الاعتكافُ: إنَّما يبطل بما نهي عنه فيه بخصوصه، وهو

الجماعُ، وإنَّما يبطل بالسُّكر عندنا وعند الأكثرين، لنهي السَّكران عن قربان المسجد ودخوله على أحدِ التأويلين في قوله تعالى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} (٢) أنَّ المرادَ مواضع الصلاة، فصار كالحائض، ولا يبطلُ الاعتكافُ بغيره من ارتكابه الكبائر عندنا وعندَ كثيرٍ من العلماء، وقد (٣) خالف في ذلك

طائفةٌ من السَّلف، منهم: عطاء والزُّهري والثوري ومالك، وحُكي

عن غيرهم أيضاً.

وأمَّا المعاملات كالعقود والفسوخ ونحوهما، فما كان منها تغييراً للأوضاع الشرعية، كجعل حدِّ الزِّنى عقوبةً مالية، وما أشبه ذلك، فإنَّه مردودٌ من أصله، لا ينتقل به الملكُ؛ لأنَّ هذا غيرُ معهود في أحكام (٤) الإسلام، ويدلُّ على ذلك أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال للذي سأله: إنَّ ابني كان عسيفاً على فلان، فزنى بامرأته، فافتديتُ

منه بمئة شاةٍ وخادم، فقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «المئة شاة والخادم ردٌّ عليكَ، وعلى ابنك

جَلدُ مئة، وتغريبُ عام» (٥).

وما كان منها عقداً منهياً عنه في الشرع، إما لكون المعقود عليه ليس محلاً للعقد، أو لفوات شرطٍ فيه، أو لظلم يحصُلُ به للمعقود معه أو عليه، أو لكون العقد يشغل عن ذكر الله الواجب عند تضايُق وقته، أو غير ذلك، فهذا العقدُ: هل هو مردودٌ بالكلية، لا ينتقل به الملك، أم لا؟ هذا الموضع قد اضطربَ الناس فيه اضطراباً


(١) عبارة: «من المحرمات» سقطت من (ص).
(٢) النساء: ٤٣.
(٣) في (ج): «وإن».
(٤) سقطت من (ص).
(٥) أخرجه: مالك في " الموطأ " (٢٣٧٩) برواية يحيى الليثي، والشافعي في " مسنده "
(١٥٧٤) بتحقيقي، والبخاري ٨/ ١٦١ (٦٦٣٣) و (٦٦٣٤) و ٨/ ٢١٤ (٦٨٤٢)
و (٦٨٤٣)، وأبو داود (٤٤٤٥)، والترمذي (١٤٣٣)، والنسائي ٨/ ٢٤٠ - ٢٤١ وفي " الكبرى "، له (٥٩٧١)، والطحاوي في " شرح معاني الآثار " ٣/ ١٣٥، والطبراني في
" الكبير " (٥١٩٠) و (٥١٩١) و (٥١٩٥)، والبيهقي ٨/ ٢١٢ و ٢١٣، وابن عبد البر في "التمهيد" ٩/ ٧٢٠٧٣، والبغوي (٢٥٧٩) من طرق عن أبي هريرة وزيد بن خالد، به.

<<  <   >  >>