للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ويتفرَّعُ على هذا معاملة من في ماله حلال وحرام مختلط، فإنْ كان أكثرُ ماله الحرامَ، فقال أحمد: ينبغي أنْ يجتنبه إلا أنْ يكونَ شيئاً يسيراً، أو شيئاً لا يعرف، واختلف أصحابنا: هل هو مكروه أو محرَّم؟ على وجهين.

وإنْ كان أكثرُ ماله الحلال، جازت معاملته والأكلُ من ماله. وقد روى الحارث عن عليِّ أنَّه قال في جوائز السلطان: لا بأس بها، ما يُعطيكم من الحلال أكثر مما يُعطيكم من الحرام (١). وكان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه يُعاملون المشركين وأهلَ الكتاب مع علمهم بأنَّهم لا

يجتنبون الحرامَ كلَّه (٢).

وإنْ اشتبه الأمر فهو شبهة، والورع تركُه. قال سفيان: لا يعجبني ذلك، وتركه أعجب إليَّ (٣).

وقال الزُّهريُّ ومكحول: لا بأس أنْ يؤكل منه ما لم يعرف أنَّه حرامٌ بعينه، فإنْ لم يُعلم في ماله حرام بعينه، ولكنه علم أنَّ فيه شبهةً، فلا بأس بالأكل منه، نصَّ عليه أحمد في رواية حنبل.

وذهب إسحاق بنُ راهويه إلى ما رُوي عن ابن مسعود وسلمانَ وغيرِهما منَ الرُّخصة، وإلى ما رُوي عَنِ الحسنِ وابنِ سيرين في إباحةِ الأخذ مما يقضي من الرِّبا

والقمار، نقله عنه ابنُ منصور.

وقال الإمام أحمد في المال المشتبه حلاله بحرامه: إنْ كان المالُ كثيراً، أخرج منه قدرَ الحرام، وتصرَّف في الباقي، وإنْ كان المالُ قليلاً، اجتنبه كلَّه (٤)، وهذا لأنَّ


(١) انظر: المغني ٤/ ٣٣٤.
(٢) من ذلك ما أخرجه: البخاري ٣/ ٧٣ (٢٠٦٨) و ٣/ ٨٠ (٢٠٩٦) و ٣/ ١٠١ (٢٢٠٠) و ٣/ ١١٣ (٢٢٥١) و (٢٢٥٢) و ٣/ ١٥١ (٢٣٨٦) و ٣/ ١٨٦ (٢٥٠٩) و ٣/ ١٨٧
(٢٥١٣)، ومسلم ٥/ ٥٥ (١٦٠٣) (١٢٤) و (١٢٥) و (١٢٦) من حديث عائشة - رضي الله عنها -: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - اشترى طعاماً من يهودي إلى أجل ورهنه درعاً من حديد.
(٣) قال أحمد بن حنبل: سمعت سفيان بن عيينة يقول: لا يصيب عبد حقيقة الإيمان حتى يجعل بينه وبين الحرام حاجزاً من الحلال وحتى يدع الإثم وما تشابه منه. الورع لأحمد بن حنبل: ٧١ و ١٥١.
(٤) انظر: المغني ٤/ ٣٣٤.

<<  <   >  >>