للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وكذا الخلاف لو أرسل كلبَ الصَّيدِ قريباً من الحرم، فدخل الحرمَ فصاد فيه، ففي ضمانه روايتان عن أحمد (١)، وقيل: يضمنه بكلِّ حال (٢).

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ألا وإنَّ في الجسد مضغةً، إذا صَلَحَتْ، صَلَحَ الجسدُ كلُّه، وإذا فسدت فسد الجسدُ كلُّه، ألا وهي القلب»، فيه إشارةٌ إلى أنَّ صلاحَ حركاتِ العبدِ بجوارحه، واجتنابه للمحرَّمات واتَّقاءه للشُّبهات بحسب صلاحِ حركةِ قلبِه.

فإنْ كان قلبُه سليماً، ليس فيه إلا محبة الله ومحبة ما يُحبه الله، وخشية الله وخشية الوقوع فيما يكرهه، صلحت حركاتُ الجوارح كلّها، ونشأ عن ذلك اجتناب المحرَّمات كلها، وتوقي

للشبهات حذراً مِنَ الوقوعِ في المحرَّمات.

وإنْ كان القلبُ فاسداً، قدِ استولى عليه اتِّباعُ هواه، وطلب ما يحبُّه، ولو كرهه الله، فسدت حركاتُ الجوارح كلها، وانبعثت إلى كلِّ المعاصي والمشتبهات بحسب اتِّباع هوى القلب.

ولهذا يقال: القلبُ مَلِكُ الأعضاء، وبقيَّةُ الأعضاءِ جنودُه، وهم مع هذا (٣) جنودٌ طائعون له، منبعثون في طاعته، وتنفيذ أوامره، لا يخالفونه في شيءٍ من ذلك، فإنْ كان الملكُ صالحاً كانت هذه الجنود صالحةً، وإنْ كان فاسداً كانت جنودُه بهذه المثابَةِ فاسدةً، ولا ينفع عند الله إلاّ القلبُ السليم (٤)،

كما قال تعالى: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} (٥)، وكان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يقول في دعائه: «اللهم إني (٦) أسألُكَ قلباً


(١) انظر: الهداية للكلوذاني ١/ ٢٢٩ بتحقيقي، والمغني لابن قدامة ٣/ ٣٥٤ - ٣٥٥.
(٢) وبه قال الثوري والشافعي وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي، وانظر: المغني لابن قدامة ٣/ ٣٥٤ - ٣٥٥.
(٣) عبارة: «جنوده وهم مع هذا» سقطت من (ص).
(٤) ورد في هذا حديث عن أبي هريرة موقوف.
أخرجه: معمر في " جامعه " (٢٠٣٧٥)، والبيهقي في " شعب الإيمان " (١٠٩).
وانظر: نوادر الأصول للحكيم الترمذي ٢/ ١٩٢ - ١٩٣ و ٣/ ١٥٠، وفيض القدير للمناوي

(٦١٩١).
(٥) الشعراء: ٨٨ - ٨٩.
(٦) عبارة: «اللهم إني» لم ترد في (ج).

<<  <   >  >>