للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وقد سئل عمرُ عن قومٍ يشتهون المعصية ولا يعملون بها، فقال: أولئِكَ قومٌ امتحنَ الله قلوبهم للتقوى، لهم مغفرةٌ وأجرٌ عظيم.

وقال يزيد بن ميسرة: يقولُ الله في بعض الكتب: أيُّها الشابُّ التارك

شهوتَه، المتبذل شبابه من أجلي، أنت عندي كبعض ملائكتي (١).

وقال: ما أشد الشهوة في الجسد، إنَّها مثلُ حريق النار، وكيف ينجو منها

الحصوريون؟ (٢).

والتحقيق في هذا أنَّ الله لا يكلِّفُ العبادَ مِنَ الأعمال ما لا طاقةَ لهم به، وقد أسقط عنهم كثيراً من الأعمال بمجرَّدِ المشقة رخصةً عليهم، ورحمةً لهم،

وأمَّا المناهي، فلم يَعْذِرْ أحداً بارتكابها بقوَّةِ الدَّاعي والشَّهوات، بل كلَّفهم

تركها على كلِّ حال، وأنَّ ما أباح أنْ يُتناول مِنَ المطاعم المحرَّمة عند الضرورة ما تبقى معه الحياة، لا لأجل التلذذ والشهوة، ومن هنا يعلم صحة ما قاله الإمام أحمد: إنَّ النهي أشدُّ من الأمر. وقد روي عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من حديث ثوبان وغيره أنَّه قال: «استقيموا ولن تُحْصُوا» (٣) يعني: لن تقدروا على الاستقامة كلها.

وروى الحكم بن حزن الكُلَفي، قال: وفدت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فشهدتُ معه الجمعة، فقام رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - متوكئاً على عصاً أو قوسٍ، فحمِدَ الله، وأثنى عليه بكلماتٍ خفيفاتٍ طيباتٍ مباركاتٍ، ثُمَّ قال: «أيُّها النَّاسُ إنَّكم لن تُطيقُوا، أو لن تَفْعَلوا كُلَّ ما أَمَرْتُكم به، ولكن سَدِّدُوا وأبشِرُوا»

خرَّجه الإمام أحمد وأبو داود (٤).


(١) ذكره: أبو نعيم في " الحلية " ٥/ ٢٣٧.
(٢) ذكره: أبو نعيم في " الحلية " ٥/ ٢٤١.
(٣) وأخرجه: الطيالسي (٩٩٦)، وأحمد ٥/ ٢٧٨ و ٢٨٢، والدارمي (٦٦١)، وابن ماجه (٢٧٧)، وابن حبان (١٠٣٧)، والطبراني في " الصغير " ١/ ٨، والمروزي في " تعظيم قدر الصلاة " (١٧٠)، والبيهقي ١/ ٤٥٧، والخطيب في "تاريخه" ١/ ٢٩٣، وهو حديث صحيح.
(٤) مسند أحمد ٤/ ٢١٢، وسنن أبي داود (١٠٩٦).
وأخرجه: ابن سعد في "الطبقات" ٥/ ٥١٦، وأبو يعلى (٦٨٢٦)، وابن خزيمة (١٤٥٢)، والطبراني في " الكبير " (٣١٦٥)، والبيهقي في " السنن " ٣/ ٢٠٦، وفي " دلائل النبوة "، له ٥/ ٣٥٤، وابن الأثير في " أُسد الغابة " ٢/ ٣٤، وهو حديث حسن.

<<  <   >  >>