للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

المحض

لا يَحْصُلُ لمؤمن في قلبه منه ريب - والريب: بمعنى القلق والاضطراب - بل تسكن إليه النفسُ، ويطمئن به القلبُ، وأما المشتبهات فيَحْصُل بها للقلوب القلقُ (١) والاضطرابُ الموجب للشك.

وقال أبو عبد الرحمان العمري الزاهد: إذا كان العبدُ ورعاً، ترك ما يريبه إلى ما لا يريبُه.

وقال الفضيلُ: يزعم الناسُ أنَّ الورعَ شديدٌ، وما ورد عليَّ أمران إلا أخذتُ بأشدِّهما، فدع ما يريبُك إلى ما لا يريبُك (٢).

وقال حسّانُ بن أبي سنان: ما شيء أهون من الورع، إذا رابك شيء فدعه. وهذا إنَّما يسهل على مثل حسّان - رحمه الله -.

قال ابن المبارك: كتب غلامٌ لحسّانَ بن أبي سنان إليه من الأهواز: إنَّ قَصَبَ السكر أصابته آفةٌ، فاشتر السكر فيما قِبَلَكَ، فاشتراه من رجل، فلم يأتِ عليه إلا قليلٌ فإذا فيما اشتراه ربحَ ثلاثين ألفاً، قال: فأتى صاحبَ السُّكرِ، فقال: يا هذا إنَّ غلامي كان قد كتب إليَّ، فلم أُعْلِمكَ، فأَقِلْني فيما اشتريتُ منك، فقال له الآخر: قد أعلمتني الآن، وقد طَيَّبْتُه لك، قال: فرجع فلم يحتمل قَلْبُهُ، فأتاه، فقال: يا هذا إني لم آتِ هذا الأمر من قبل وجهه، فأُحبُّ أنْ تستردَّ هذا البَيع، قال: فما زال به حتى ردَّ عليه.

وكان يونُس بنُ عبيد إذا طُلِبَ المتاعُ ونَفَقَ، وأرسل يشتريه يقول لمن يشتري له: أَعْلِمْ من تشتري منه أنَّ المتاعَ قد طُلِبَ.

وقال هشامُ بنُ حسّان: ترك محمدُ بن سيرين أربعين ألفاً فيما لا ترون به اليومَ بأساً (٣).

وكان الحجاج بنُ دينار قد بعث طعاماً إلى البصرة مع رجلٍ وأمره أنْ يبيعه يَوْمَ يدخل بسعر يومه، فأتاه كتابه: أني قدمت البصرة، فوجدتُ الطعام مبغَّضاً فحبستُه،


(١) من قوله: «بل تسكن إليه النفس … » إلى هنا سقط من (ص).
(٢) أخرجه: ابن عساكر في " تاريخ دمشق " ٥١/ ٢٩٧.
(٣) أخرجه: ابن عساكر في " تاريخ دمشق " ٥٦/ ١٦٥.

<<  <   >  >>