للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

يَصِلْ (١) إلى هذا المقام، بل يتسامحُ في المكروهات الظاهرة، ويقدم على الشبهات من غير توقف.

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «فإنَّ الخيرَ طُمأنينة وإنَّ الشرَّ ريبة» (٢) يعني: أنَّ الخيرَ تطمئنُّ به

القلوبُ، والشرَّ ترتابُ به، ولا تطمئنُّ إليه، وفي هذا إشارة إلى الرجوع إلى القلوب عند الاشتباه، وسيأتي مزيدٌ لهذا الكلام على حديث النَّواس بن سمعان إنْ شاء الله تعالى (٣).

وخرَّج ابنُ جرير بإسناده عن قتادة، عن بشير بن كعب: أنَّه قرأ هذه الآية:

{فامشُوا في منَاكبِها} (٤) ثم قال لجاريته: إنْ دَرَيْتِ ما مناكِبُها، فأنت حُرَّةٌ لوجه الله، قالت: مناكبُها: جبالُها، فكأنَّما سُفِعَ في وجهه، ورغب في جاريته، فسألهم، فمنهم من أمره، ومنهم من نهاه، فسأل أبا الدرداء، فقال: الخيرُ طمأنينة والشر ريبة، فذَرْ ما يريبك إلى ما لا يريبك (٥).

وقوله في الرواية الأخرى: «إنَّ الصدقَ طمأنينةٌ، وإنَّ الكذبَ ريبةٌ» يشير إلى أنَّه لا ينبغي الاعتمادُ على قول كلِّ قائلٍ كما قال في حديث وابصة: «وإنْ أفتاك الناسُ وأفتوكَ» (٦) وإنَّما يُعْتَمَدُ على قولِ مَنْ يقول الصدقَ،

وعلامةُ الصدق أنَّه تطمئن به القلوبُ، وعلامة الكذب أنَّه تحصل به الريبةُ، فلا تسكن القلوبُ إليه، بل تَنفِرُ منه.

ومن هنا كان العقلاء في عهد النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إذا سمعوا كلامَه وما يدعو إليه، عرفوا أنَّه صادق، وأنَّه جاء بالحق، وإذا سمعوا كلامَ مسيلمة، عرفوا أنَّه كاذب، وأنَّه جاء بالباطل، وقد رُوي أنَّ عمرو بن العاص سمعه قبلَ إسلامه يَدَّعي أنَّه أُنْزِلَ عليه: يا وَبْرُ يا وَبْرُ، لَكِ أذنان وصَدْر، وإنَّك لتعلم يا عمرو، فقال: والله إني لأعلم أنَّك تَكْذِبُ.


(١) في (ص): «على من يقبل».
(٢) سبق تخريجه.
(٣) سيأتي تخريجه عند الحديث السابع والعشرين.
(٤) الملك: ١٥.
(٥) أخرجه: الطبري في " تفسيره " (٢٦٧٣٩) و (٢٦٧٤٢)، وطبعة التركي ٢٣/ ١٢٨ و ١٢٩.
(٦) أخرجه: الطبراني في " الكبير " ٢٢/ (٤٠٣).

<<  <   >  >>