للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فنفى أنْ تكونَ كراهتُه؛ لأنْ يَفوقَهُ أحدٌ في الجمال بغياً أو كبراً، وفسَّر الكبر والبغي ببطر الحقِّ وغمط الناس (١)، وهو التكبُّر عليه، والامتناع مِن قبوله كِبراً إذا خالف هواه. ومن هنا قال بعض السَّلف: التَّواضُعُ أنْ تَقْبَلَ الحقَّ مِن كلِّ من جاء به، وإنْ كان صغيراً، فمن قَبِلَ الحقَّ ممَّن جاء به، سواء كان صغيراً أو كبيراً، وسواء كان يحبُّه أو لا يحبه، فهو متواضع، ومن أبى قَبُولَ الحقِّ تعاظُماً عليه، فهو متكبِّرٌ.

وغمط الناس: هو احتقارُهم وازدراؤهم، وذلك يحصُل مِنَ النَّظرِ إلى النَّفس بعينِ الكمالِ، وإلى غيره بعينِ النَّقص (٢).

وفي الجملة: فينبغي للمؤمن أنْ يُحِبَّ للمؤمنينَ ما يُحبُّ لنفسه، ويكره لهم ما يكره لِنفسه، فإنْ رأى في أخيه المسلم نقصاً في دينه اجتهدَ في إصلاحه. قال بعضُ الصالحين مِن السَّلف: أهلُ المحبة لله نظروا بنور الله، وعطَفُوا على أهلِ معاصي الله، مَقَتُوا أعمالهم، وعطفوا عليهم ليزيلوهُم بالمواعظ عن فِعالهم، وأشفقوا على أبدانِهم من النار،

لا يكون المؤمنُ مؤمناً حقاً حتى يرضى للناسِ ما يرضاه لنفسه، وإنْ رأى في غيره فضيلةً فاق بها عليه فيتمنى لنفسه مثلها، فإنْ كانت تلك الفضيلةُ دينية، كان حسناً، وقد تمنى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لنفسه منْزلةَ الشَّهادة (٣).

وقال - صلى الله عليه وسلم -: «لا حسدَ إلاَّ في اثنتين: رجل آتاهُ الله مالاً، فهو يُنفقهُ آناءَ الليلِ وآناءَ النَّهارِ، ورجُلٌ آتاهُ الله القرآن، فهو يقرؤهُ آناءَ الليل وآناءَ النهار» (٤).

وقال في الذي رأى مَنْ (٥) ينفق مالَه في طاعة الله، فقال: «لو أنَّ لي مالاً،


(١) عبارة «وغمط الناس» سقطت من (ج).
(٢) انظر: النهاية ٣/ ١٠١٤ - ١٠١٥، ومجمل اللغة ٣/ ٦٨٦، وأساس البلاغة ١/ ٧١٣، ولسان العرب ١٠/ ١٢٥، ومختار الصحاح: ٤٨١ - ٤٨٢.
(٣) حديث تمني النبي - صلى الله عليه وسلم - الشهادة أخرجه: البخاري ١/ ١٥ (٣٦)، ومسلم ٦/ ٣٣ (١٨٧٦)
(١٠٣) و ٦/ ٦٤ (١٨٧٦) (١٠٦) من حديث أبي هريرة.
(٤) أخرجه: البخاري ١/ ٢٨ (٧٣) و ٢/ ١٣٤ (١٤٠٩)، ومسلم ٢/ ٢٠١ (٨١٦)
(٢٦٨)، من حديث عبد الله بن مسعود.
(٥) عبارة: «رأى من» سقطت من (ص).

<<  <   >  >>