للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

بواجبٍ، وإنَّما المأمورُ به في الشرع أنْ يُحبَّ أنْ يكونوا مثلَه، ومع هذا فإذا فاقه أحدٌ في فضيلة دينية اجتهد على لَحاقه، وحزن على تقصير نفسه، وتخلُّفِهِ عن لحاق السابقين، لا حسداً لهم على ما آتاهُم الله من فضله - عز وجل - (١)، بل منافسةً لهم، وغبطةً وحزناً على النَّفس بتقصيرها وتخلُّفها عن درجات السابقين.

وينبغي للمؤمن أنْ لا يزال يرى نفسَه مقصِّراً عن الدَّرجات العالية، فيستفيد بذلك أمرين نفيسين: الاجتهاد في طلب الفضائل، والازدياد منها، والنظر إلى نفسه بعينِ النَّقص، وينشأ مِنْ هذا أنْ يُحِبَّ للمؤمنين أنْ يكونوا خيراً منه؛ لأنَّه لا يرضى لَهم أنْ يكونوا على مثلِ حاله، كما أنَّه لا يرضى لنفسه بما هي عليه، بل يجتهد في إصلاحها، وقد قالَ محمدُ بنُ واسع لابنه: أمَّا أبوكَ، فلا كثَّرَ الله في المسلمين مثلَه (٢).

فمن كان لا يرضى عن نفسه، فكيف يُحبُّ للمسلمين أنْ يكونوا مثلَه مع نصحه لهم؟ بل هو يحبُّ للمسلمين أنْ يكونوا (٣) خيراً منه، ويحبُّ لنفسه أنْ يكونَ خيراً ممَّا هو

عليه.

وإنْ عَلِمَ المرءُ أنَّ الله قد خصَّه على غيره بفضل، فأخبر به لمصلحة دينية، وكان إخباره على وجه التحدُّث بالنِّعمِ، ويرى نفسه مقصراً في الشُّكر، كان جائزاً، فقد قال ابنُ مسعود: ما أعلم أحداً أعلمَ بكتاب الله مني، ولا يمنع هذا أنْ يُحِبَّ للنَّاسِ أنْ يُشاركوه فيما خصَّهُ الله به، فقد قال ابنُ عبَّاسٍ: إني لأمرُّ على الآية من كِتاب الله، فأودُّ أنَّ النَّاسَ كُلَّهم يعلمُون منها ما أعلم، وقال الشافعيُّ: وددتُ أنَّ النَّاسَ تعلَّموا هذا العلمَ، ولم يُنْسَبْ إليَّ منه شيء (٤)، وكان عتبةُ الغلامُ إذا أراد أنْ يُفطر يقول لبعض إخوانه المطَّلِعين على أعماله: أَخرِج إليَّ ماءً أو تمراتٍ أُفطر عليها؛ ليكونَ لك مثلُ أجري (٥).


(١) عبارة: «من فضله - عز وجل -» لم ترد في (ج).
(٢) أخرجه: أبو نعيم في " الحلية " ٢/ ٣٥٠.
(٣) من قوله: «مثله مع نصحه … » إلى هنا سقط من (ص).
(٤) أخرجه: أبو نعيم في " الحلية " ٩/ ١١٩.
وانظر: سير أعلام النبلاء ١٠/ ٥٥، وآداب الشافعي: ٩٢، وتهذيب الأسماء واللغات ١/ ٥٤٠، والمناقب للبيهقي ١/ ١٧٣، والانتقاء: ٨٤، ومعرفة السنن والآثار ١/ ١٢٩.
(٥) أخرجه: أبو نعيم في " الحلية " ٦/ ٢٣٥.

<<  <   >  >>