للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وقد امتثل معاذٌ ما وصَّاه به النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وكان عمر قد بعثه على عَمَلٍ، فقدم وليس معه شيء، فعاتبته امرأتُه، فقال: كان معي ضاغط، يعني: من يُضيق عليَّ، ويمنعني من أخذ شيءٍ، وإنَّما أراد معاذ ربَّه - عز وجل -، فظنت امرأتُه أنَّ عُمَر بعث معه

رقيباً، فقامت تشكوه إلى النَّاس.

ومن صار له هذا المقام حالاً دائماً أو غالباً، فهو من المحسنين الذين يعبدون الله كأنَّهم يرونه، ومن المحسنين الذين يجتنبون كبائرَ الإثم والفواحِشَ إلا اللممَ.

وفي الجملة فتقوى الله في السرِّ هو علامةُ كمالِ الإيمانِ، وله تأثيرٌ عظيم في إلقاء الله لصاحبه الثناءَ في قلوب المؤمنين. وفي الحديث: «ما أَسَرَّ عبدٌ سَريرةً إلا ألبسه الله رِدَاءها علانيةً إنْ خيراً فخيرٌ، وإنْ شراً فشرٌّ» (١) رُوي هذا مرفوعاً، ورُوي عن ابن مسعودٍ من قوله.

وقال أبو الدرداء: لِيَتَّقِ أحدُكم أنْ تلعنه قلوبُ المؤمنين وهو لا يشعر، يخلو بمعاصي الله، فيلقي الله له البغضَ في قلوب المؤمنين (٢).

قال سليمانُ التيميُّ: إنَّ الرجل لَيُصيب الذنبَ في السرِّ فيصبح وعليه مذلتُه (٣)، وقال غيره (٤): إنَّ العبد ليذنب الذنب فيما بينه وبينَ الله، ثم يجيءُ إلى إخوانه، فيرون أَثَرَ ذلك عليه، وهذا مِن أعظم الأدلة على وجودِ الإِله الحقِّ المجازي بذرَّات الأعمال في الدنيا قبل الآخرة (٥)، ولا يضيع عندَه عملُ عاملٍ، ولا ينفع من قدرته حجاب ولا استتار،

فالسعيدُ مَنْ أصلح ما بينَه وبينَ الله (٦)، فإنَّه من أصلح ما بينه وبينَ الله أصلح الله ما بينه وبين الخلق، ومن التمس محامدَ الناسِ بسخط الله، عاد حامده من النَّاس له ذاماً.


(١) أخرجه: الطبراني في " الكبير " ٢/ (١٧٠٢) وفي " الأوسط "، له (٧٩٠٦) عن جندب ابن سفيان، به، وهو حديث ضعيف جداً لا يصح.
(٢) أخرجه: أبو نعيم في " الحلية " ١/ ٢١٥.
(٣) أخرجه: أبو نعيم في " الحلية " ٣/ ٣١.
(٤) سقطت من (ص).
(٥) في (ص): «الدنيا والآخرة».
(٦) من قوله: «ولا يضيع عنده عمل … » إلى هنا سقط من (ص).

<<  <   >  >>