للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ومِنَ الناسِ مَنْ قال: لا يقطع بقبول التوبة، بل يُرجى، وصاحبُها تحت المشيئة وإنْ تاب (١)، واستدلوا بقوله: {إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء} (٢) فجعل الذنوبَ كُلَّها تحت مشيئته، وربما استدلَّ بمثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى

رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} (٣)، وبقوله: {فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ} (٤)، وقوله: {وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (٥)، وقوله: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} (٦).

والظاهر أنَّ هذا في حقِّ التائبِ؛ لأنَّ الاعترافَ يقتضي الندم، وفي حديث عائشة، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ العبد إذا اعترف بذنبه، ثم تابَ تاب الله

عليه» (٧)، والصحيح قولُ الأكثرين.

وهذه الآيات لا تدلُّ على عدم القطع، فإنَّ الكريمَ إذا أطمع، لم يقطع

من رجائه المطمع، ومِنْ هنا قال ابنُ عباس: إنَّ «عسى» من الله واجبة (٨)،

نقله عنه عليُّ بن أبي طلحة. وقد ورد جزاءُ الإيمان والعمل الصالح بلفظ

: «عسى» أيضاً، ولم يدلَّ ذلك على أنَّه غيرُ مقطوع به، كما في قوله

: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ

وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ

الْمُهْتَدِينَ} (٩).

وأما قوله: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (١٠)، فإنَّ التائب ممن شاء أنْ يغفرَ

له، كما أخبر بذلك في مواضعَ كثيرةٍ من كتابه.


(١) انظر: المفهم ٥/ ٢٦٩. والمحرر الوجيز ٤/ ٣٣.
(٢) النساء: ٤٨.
(٣) التحريم: ٨.
(٤) القصص: ٦٧.
(٥) النور: ٣١.
(٦) التوبة: ١٠٢، وهذه الآية لم ترد في (ص).
(٧) أخرجه: عبد الرزاق (٩٧٤٨)، وأحمد ٦/ ١٩٦، والبخاري ٣/ ٢٢٧ (٢٦٦١) و ٥/ ١٥٢ (٤١٤١)، و ٦/ ١٢٧ (٤٧٥٠)، ومسلم ٨/ ١١٢ - ١١٦ (٢٧٧٠) (٥٦)، وابن حبان (٤٢١٢)، والبيهقي في " شعب الإيمان " (٧٠٢٨) من طرق عن عائشة، به.
(٨) انظر: تفسير ابن أبي حاتم ٦/ ١٧٦٦. وتفسير القرطبي ٨/ ٩١.
(٩) التوبة: ١٨.
(١٠) النساء: ٤٨.

<<  <   >  >>