للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «اجتنبوا الكبائرَ وسدِّدوا وأبشروا» (١).

وذهب قومٌ من أهل الحديث وغيرهم إلى أنَّ هذه الأعمالَ تُكفِّرُ الكبائرَ، ومنهم: ابن حزم الظاهري، وإيَّاه عنى ابنُ عبد البرّ في كتاب " التمهيد " بالردِّ عليه وقال: قد كنتُ أرغبُ بنفسي عن الكلام في هذا الباب، لولا قولُ ذلك القائل،

وخشيتُ أنْ يغترَّ به جاهلٌ، فينهمِكَ في الموبقاتِ، اتِّكالاً على أنَّها تكفِّرُها الصلواتُ دونَ الندم والاستغفار والتوبة، والله نسألُه العصمة والتوفيقَ (٢).

قلتُ: وقد وقع مثلُ هذا في كلام طائفة من أهل الحديث في الوضوء ونحوه، ووقع مثلُه في كلام ابن المنذر في قيام ليلة القدر، قال: يُرجى لمن قامها أنْ يغفر له جميع ذنوبه صغيرها وكبيرها. فإنْ كان مرادهم أنَّ مَنْ أتى بفرائض الإسلام وهو مُصرٌّ على الكبائر تغفر له الكبائرُ قطعاً، فهذا باطلٌ قطعاً، يُعْلَمُ بالضرورة من الدِّين بطلانه، وقد سبق قولُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أساءَ في الإسلام أُخِذَ بالأوَّلِ والآخر» (٣) يعني: بعمله في الجاهلية والإسلام، وهذا أظهرُ من أنْ يحتاجَ إلى بيانٍ، وإنْ أرادَ هذا القائلُ أنَّ من ترك الإصرارَ على الكبائرِ، وحافظ على الفرائض من غير توبة ولا ندمٍ على ما سلف منه، كُفِّرَت ذنوبه كلُّها بذلك، واستدلَّ بظاهر قوله

:

{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً

كَرِيماً} (٤). وقال: السيئات (٥) تشملُ الكبائرَ والصغائر، فكما أنَّ الصغائرَ تُكفَّرُ باجتناب الكبائر من غير قصد ولا نيَّةٍ، فكذلك الكبائرُ، وقد يستدلُّ لذلك

بأنَّ الله وعد المؤمنين والمتقين بالمغفرة وبتكفير السَّيِّئات،


(١) أخرجه: أحمد ٣/ ٣٩٤، وإسناده ضعيف لضعف ابن لهيعة.
(٢) انظر: التمهيد ٢/ ١٨٣ (طبعة دار إحياء التراث العربي).
(٣) أخرجه: معمر في " جامعه " (١٩٦٨٦)، والحميدي (١٠٨)، وأحمد ١/ ٣٧٩ و ٣٨٠ و ٤٠٩ و ٤٢٩ و ٤٣١ و ٤٣٤ و ٤٦٢، والدارمي ١/ ٢، والبخاري ٩/ ١٧ (٦٩٢١)، ومسلم ١/ ٧٦ (١٢٠) (١٨٩) (١٩٠)، وابن ماجه (٤٢٤٢)، والطحاوي في
" شرح مشكل الآثار " ١/ ٢١١، وابن حبان (٣٩٦)، وأبو نعيم في " الحلية " ٧/ ١٢٥، والبيهقي ٩/ ١٢٣ وفي " شعب الإيمان "، له (٢٣)، والبغوي (٢٨) من حديث
عبد الله بن مسعود.
(٤) النساء: ٣١.
(٥) عبارة: «وقال: السيئات» سقطت من (ص).

<<  <   >  >>